بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – ربما تكون الولايات المتحدة معنية هذه المرة بالانتخابات الرئاسية الفرنسية أكثر من أي انتخابات سابقة. فالرئيس الأميركي جو بايدن لا يريد انشقاقات داخل الصف الغربي في وقت يخوض مواجهة مصيرية مع روسيا بعد الحرب في أوكرانيا.
تابع الأميركيون بدقة تفاصيل المعركة الانتخابية. وكان القلق يساورهم ولا يزال من أن تُحدث زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبن مفاجأة، وأن تقلب الحياة السياسية في فرنسا رأساً على عقب. بيد أن نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التي أجريت الأحد جعلت البيت الأبيض يتنفس الصعداء بعدما تصدر ماكرون النتائج، ومسارعة الأحزاب الاشتراكية واليمينية والخضر والشيوعي إلى إعلان تأييدها لماكرون في الدورة الثانية المقررة في 24 نيسان (أبريل)، بينما حض زعيم اليسار المتطرف جان-لوك ميلانشون الذي حل ثالثاً ناخبيه على عدم التصويت للوبن، من دون أن يدعوهم صراحة إلى التصويت لماكرون.
هذه النتائج ليست كافية لتبديد قلق بايدن، إذ إن الاستطلاعات في ما يتعلق بالدورة الثانية، تمنح ماكرون 51 في المئة مقابل 49 في المئة للوبن، مع هامش خطأ 3 في المئة. كما أن نسبة الذين امتنعوا عن التصويت بلغت 26 في المئة، وهي نسبة إذا ما قرر جزء منها أن يشارك في الدورة الثانية، فإنه ليس من المضمون في أي اتجاه سيدلي هؤلاء بأصواتهم.
الخطاب القومي للوبن يقلق بايدن، لأنها قالت أكثر من مرة إنها ستسحب فرنسا من حلف شمال الأطلسي إذا فازت، الأمر الذي يذكّر الديموقراطيين كثيراً بخطاب الرئيس الأميركي السابق الجمهوري دونالد ترامب، الذي يستعد للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2024. وكان ترامب يزدري حلف شمال الأطلسي ويود تحويله إلى مجرد تحالف لمكافحة الإرهاب، بينما يعتمد بايدن اليوم على الحلف كرأس حربة في التصدي لروسيا ومنعها من استعادة النفوذ الذي فقدته عقب سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي قبل 30 عاماً.
والتحالف الذي أقامه بايدن لمواجهة الهجوم الروسي على أوكرانيا، لا يحتمل أي تصدعات، سواء لناحية العقوبات غير المسبوقة التي فرضت على روسيا، أم لناحية تزويد أوكرانيا بالسلاح، بهدف إنزال “هزيمة استراتيجية” بروسيا.
لوبن تتبنى لهجة مرنة حيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتعتبر أن روسيا يجب أن لا تكون في مواجهة أوروبا والعكس صحيح، وأن الجانبين يمكن أن يتوصلا إلى صيغة تصالحية، وهاجمت ماكرون مراراً لتبنيه خطاباً “عدوانياً” حيال بوتين.
موقف لوبن يشبه كثيراً موقف ترامب الذي أبدى إعجابه أكثر من مرة بالصفات “القيادية” لبوتين، وقال لو أنه كان لا يزال في البيت الأبيض لما كانت روسيا غزت أوكرانيا. ومعروف عن ترامب علاقاته الودية مع أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وفي العالم.
وعليه، فإن أي تغيير في المعادلة السياسية القائمة اليوم في فرنسا، من شأنه أن يخلق انشقاقاً داخل الصف الغربي، وتالياً سينعكس ذلك ارتياحاً لدى موسكو.
ومن هنا، يحتل ماكرون قيمة استراتيجية بالنسبة الى إدارة بايدن، ولن يشعر الرئيس الأميركي بالارتياح الكامل إلا بعد صدور نتائج الدورة الثانية للتأكد من أن فرنسا باقية في حلف شمال الأطلسي، ومن أن الوحدة الأميركية – الأوروبية التي تجلت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ستستمر حتى هزيمة روسيا وضمان التفوق الغربي والقضاء مرة واحدة وإلى الأبد على طموحات بوتين أو طموحات أي رئيس روسي في المستقبل، بأن يعيد بناء “الأمبراطورية” مجدداً.
لهذه الأسباب، تكتسب الانتخابات الرئاسية الفرنسية أهمية استثنائية بالنسبة الى الولايات المتحدة في هذه الظروف التي يتغير فيها العالم بسرعة قياسية وترسم فيه الخرائط السياسية للدول من جديد.