بقلم: د. عبدالحق عزوزي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – وأنا أكتب هذه الأسطر، أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية تصدّر إيمانويل ماكرون نتائج الدورة الأولى بفارق بضع نقاط مئوية عن منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبن، وبناء على ذلك سيتواجه الاثنان في الدورة الثانية في 24 أبريل. وحثت مارين لوبان بعد ظهور النتائج جميع من لم يصوت إلى ماكرون على «الانضمام إليها»، فيما توالت إرشادات المرشحين الخاسرين لأنصارهم لتوجيه أصواتهم في الدورة الثانية، إذ دعا مرشحو حزب «الجمهوريون» اليميني، وحزب الخضر، والحزب الشيوعي، والحزب الاشتراكي للتصويت لإيمانويل ماكرون.
من جانبه قال مرشح «فرنسا الأبية»، جان لوك ميلنشون، الذي حل في المرتبة الثالثة، لا تعطوا صوتاً واحداً لمارين لوبان دون أن يقول «صوتوا لإمانويل ماكرون». ودعا «إيريك زمور»، مرشح حزب «الاسترداد» أنصاره «للتصويت لمارين لوبان». وأنا أتابع أطوار الانتخابات الرئاسية على القناة الفرنسية الأولى TF1، أثار انتباهي تحليل الفيلسوف الفرنسي لوك فيري الذي كان قد شغل منصب وزير التربية والتعليم في فرنسا في عهد رئيس الوزراء جون بيير رافاران ما بين 2002 و2004، وهو أحد الفلاسفة الجدد، الذين أحدثوا تحولاً عميقاً في الأوساط الفلسفية السائدة، برموزها المعروفة أمثال جاك دريدا وجاك لاكان وجيل دولوز وميشال فوكو… لوك فيري ألقى باللائمة على الناخبين الفرنسيين الذين وللمرة الثانية، أخرجوا من الدور الأول ممثلي أحزاب اليمين وأحزاب اليسار، وهذا في نظره ليس بأمر جيد للحياة السياسية والاقتصادية في فرنسا، كما أن ماكرون بهذه النتائج أضحى لا يمثل تقريباً إلا خمس سكان فرنسا التي صوتت لصالحه، وإذا ما فازت مارين لوبان، فهذا يعني الطلاق مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي والاضمحلال الاقتصادي لفرنسا.
وإذا رجعنا إلى الانتخابات الفرنسية لسنة 2017، فإننا نتذكر أنه في تلك الفترة، أحدث حزب الرئيس ماكرون زلزالين أساسيين: أما الأول فله علاقة بالأحزاب التقليدية. إذ تم القضاء على الحزبين التقليديين: «الحزب الاشتراكي» و«حزب اليمين» الذي قاد البلاد في معظم فترات الجمهورية الخامسة. أما الزلزال الثاني والذي تعيشه أيضاً فرنسا اليوم فهو متعلق بالعلم السياسي كعلم، إذ تعلمنا قواعده أن الأحزاب السياسية لا يكتب لها النجاح إلا إذا توفرت على مخزون تاريخي يمكنها من تحقيق إيديولوجيتها. فعامل الزمن وعامل الصراعات المشروعة الممتدة هي التي تعطي للحزب مكانته داخل المجال السياسي العام…هذه القاعدة المسطرة في كتب العلوم السياسية فُنّدت مع تجربة حزب ماكرون السياسية الأولى ثم الثانية.
ففي سنة 2017 كان المشهد الفرنسي غير مألوف، أما اليوم فإنه بدأت مأسسة ذلك المشهد غير المألوف، بفارق واحد، هو أن منافسة المرشح ماكرون في الدورة الثانية هي مارين لوبان، من اليمين المتشدد، والفارق بينهما اليوم ضئيل وكل شيء ممكن في عالم السياسة.