الرئيسية / مقالات رأي / أوكرانيا وميراث الحرب العالمية الثانية

أوكرانيا وميراث الحرب العالمية الثانية

بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – إن الحديث عن الدور الذي تلعبه الجغرافيا السياسية في فهم التحولات الكبرى، لا يكفي من أجل تشكيل مواقف استراتيجية تتكئ على أرضية صلبة؛ إذ يلعب التاريخ  في هذا السياق  دوراً لا يقل أهمية عن دور الجغرافيا السياسية والاقتصادية، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالأزمات الكبرى التي يمر بها العالم، على غرار المواجهة الحالية بين روسيا والغرب، على خلفية قيام القوات الروسية بعملية عسكرية في أوكرانيا، ولجوء أطراف الصراع إلى استدعاء العديد من العناصر التاريخية الموروثة عن فترة الحرب العالمية الثانية، حيث حاولت موسكو استعادة بلاغة تلك الفترة من خلال ربط قسم من سكان أوكرانيا بالأيديولوجيا النازية، كما عملت الدول الغربية على استحضار الحقبة الستالينية والحلم الإمبراطوري لروسيا، من أجل فهم السياسات التي تعتمدها موسكو على المستويين الإقليمي والدولي.

ونستطيع أن نلاحظ أن الأمر لم يتوقف عند حدود قيام الأطراف المتصارعة بتوظيف الأحداث التاريخية التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية من أجل تحقيق مكاسب سياسية، ولكنه تعدى ذلك المستوى ليصل إلى التفكير في إعادة النظر في الترتيبات الناجمة عن الحرب العالمية الثانية، وعن تداعيات انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث تعمل موسكو على تصحيح المسار وتعديل كفة التوازنات مع حلف «الناتو»، بينما تسعى واشنطن والدول الغربية الأخرى، في مقابل ذلك، إلى القضاء على ما تبقى لروسيا من ميراث الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال تجسيد الاستراتيجية الأمريكية التي تشدّد على ضرورة حسم الصراع مع روسيا، من خلال حرمانها من نفوذها التاريخي في أوكرانيا.

ونتيجة لذلك، فقد عاد الحديث مؤخراً  بكثير من الإلحاح  عن كالينينغراد: الجيب الروسي في أوروبا بالقرب من بولندا وليتوانيا والبلطيق، والتي كانت تعتبر من الناحية التاريخية، جزءاً من روسيا الشرقية ومن ألمانيا النازية، وقام جوزيف ستالين بضمها إلى الاتحاد السوفييتي خلال المفاوضات التي أجراها الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية في مؤتمر طهران سنة 1943، حيث نوقشت خلاله خريطة العالم المتعلقة بمرحلة ما بعد هزيمة دول المحور.

وتمثل كالينينغراد موقعاً متقدماً بالنسبة لروسيا في سياق صراعها الوجودي مع حلف «الناتو» بقيادة واشنطن. وقد بات هذا الجيب يحمل أهمية استراتيجية كبرى منذ قيام حلف «الناتو» بالتمدد شرقاً نحو بولندا ودول البلطيق، واستطاعت روسيا أن تحوّله إلى منطقة عسكرية بعد إخراج ما تبقى من سكانه الألمان سنة 1948، وجعلت من كالينينغراد منصة لصواريخها النووية، قبل أن تحوّلها إلى قاعدة جوية متقدمة لطائرات «ميغ 314» الحاملة للصواريخ «الفرط صوتية» بداية من 8 فبراير/شباط 2022.

وإضافة إلى كالينينغراد التي تعتبر موقعاً مهماً بالنسبة للدفاعات الجوية الروسية، نجد في الجهة المقابلة في أقصى الشرق منطقة أخرى في الحدود مع اليابان، تعتبر جزءاً من الميراث التاريخي للحرب العالمية الثانية، وهي جزر الكوريل التي قام الاتحاد السوفييتي ببسط سيادته عليها في شهر آب/أغسطس سنة 1945، وعادت التوترات بشأنها مع طوكيو بعد إعلان موسكو عن توقيف مفاوضات السلام مع اليابان بشأنها في 21 مارس/آذار الماضي بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وانخراط طوكيو في سياسة العقوبات الاقتصادية الغربية ضد موسكو.

وقالت موسكو إنها أوقفت المحادثات بشأن اتفاقية السلام مع اليابان، بسبب ما وصفته بموقفها العدائي تجاهها؛ الأمر الذي يعني أن تبعات الحرب العالمية ما زالت مؤثرة، وأن البلدين ما زالا في حالة حرب، كما أن المشاريع الاقتصادية الهادفة إلى التكامل بينهما على مستوى الأرخبيل المتنازع عليه سيتم إلغاؤها، لاسيما وأن موسكو تعتقد أن طوكيو لا تستطيع اتخاذ قراراتها الاستراتيجية بعيداً عن الوصاية الأمريكية.

ويمكننا القول عطفاً على ما تقدم، إن الإرث التاريخي ما زال مرشحاً للعب دور محوري في التوازنات الجيوسياسية العالمية خلال السنوات المقبلة. فإما أن ينجح الغرب في تركيع روسيا والصين، وإما أن يفرض محور موسكو  بكين توازنات جديدة على المستوى الدولي، وبخاصة أن اليابان منخرطة في الجهة الموازية في التحالف الغربي الهادف إلى محاصرة التنين الصيني في شرق آسيا.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …