الرئيسية / مقالات رأي / الانتخابات الرئاسية الفرنسية والدّور المفقود للجالية الجزائرية

الانتخابات الرئاسية الفرنسية والدّور المفقود للجالية الجزائرية

بقلم: أزراج عمر   – النهار العربي

الشرق اليوم – لماذا لا تشارك الجالية الجزائرية بفاعلية في تقرير جزء من مصير الانتخابات الفرنسية عموماً، والانتخابات الرئاسية خصوصاً، رغم بلوغ تعداد أفرادها ما لا يقل عن 5 ملايين نسمة؟ ولماذا لم تقدر الجزائر منذ استقلالها على أن تكون لجاليتها في فرنسا هوية سياسية في شكل حزب متعدد الإثنيات، أو في صورة تيار سياسي له فرادة جزائرية يفرز مرشحها الرئاسي الخاص بها؟

لكي نجيب ينبغي أن نتأمل بانوراما العلاقة المفقودة بين الدبلوماسية الجزائرية والمكوّن البشري لهذه الجالية شبه المنسية، باعتبارها السبب الجوهري الذي ساهم ولا يزال في تقليص حظوظ الجالية في تشكيل هوية السياسة الفرنسية المعاصرة.

على مدى سنوات طويلة، والسلطات الجزائرية تواصل تنفيذ سياسات إهمال جاليتها المقيمة في فرنسا، وتكرّس وضعاً شاذاً تغرق فيه، وهو يتميز بحصر مهمة القنصليات الجزائرية في فرنسا في استخراج شهادات الوفاة وعقود الزواج والطلاق وجوازات السفر لأفرادها.

هذا السلوك السلبي جعل السلك الدبلوماسي الجزائري في فرنسا يعمّق الفجوة بين الوطن والجالية الجزائرية، من جهة،  وبينها وبين المجتمع الفرنسي من جهة ثانية، ولقد أدى هذا إلى تحويل هذه الجالية التي يقترب تعداد أفرادها من خمسة ملايين نسمة إلى مجرد فسيفساء، بعضه مهمّش في ضواحي باريس، وبعضه الآخر مبعثر في المحافظات والبلديات عبر الجغرافيا الفرنسية بدلاً من جمع شملها وتنظيمها وتوفير الإمكانات المادية والمعنوية لها، بغية جعلها قوة جزائرية ناعمة حقيقية، توظف جزائرياً للتأثير الإيجابي اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً في الفضاء الفرنسي.

وفي هذا السياق، تنبغي الإشارة باختصار إلى بعض سلبيات الدبلوماسية الجزائرية تجاه الجالية الجزائرية في فرنسا، ونذكر باختصار عدم دعم هذه الجالية بمراكز جزائرية استراتيجية، ثقافية، تعليمية ومهنية، عبر المحافظات والبلديات الفرنسية الكبرى باستثناء المركز الثقافي الجزائري اليتيم والموجود في باريس في حالة موت سريري.

إلى جانب ما تقدم، فإن الدبلوماسية الجزائرية لم تبن مؤسسات عصرية في فرنسا، تتكفل بالدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والصحية والمهنية والتعليمية لهذه الجالية. وهناك أيضاً عدم تخصيص الدولة الجزائرية مخصصات مالية لإنشاء مؤسسات إعلامية خاصة بهذه الجالية، مثل الصحف والمجلات والإذاعات وقنوات التلفزيون بالفرنسية والعربية والأمازيغية، التي يفترض أن تكون فضاءً لها لممارسة الحوار بين أفرادها، وبينهم وبين المجتمع الفرنسي ومع الجاليات الأجنبية الأخرى في فرنسا، وأيضاً منابر تتم فيها مناقشة مختلف القضايا اليومية التي تشغلهم، بما في ذلك المشكلات التي تتسبب في اغتراب هوياتهم الثقافية في المهجر الفرنسي. والعجيب في الأمر هو أن الجزائر لم تنشئ ولو مصرفاً واحداً في فرنسا يربط المكوّن البشري للجالية الجزائرية رمزياً واقتصادياً وأمناً مالياً بوطنه.

في ظل مثل هذا الوضع السلبي، يسهل فهم الأسباب الحقيقية التي أدت ولا تزال تؤدي بالجالية الجزائرية إلى العزلة والانكماش السياسي، وإعادة إنتاج الفولكلور الثقافي الوطني أو الدوران داخل دائرة التأثير الثقافي والفكري الفرنسي، وبخاصة لدى النخب الجزائرية ذات التكوين الفرنكوفوني.

يعود هذا الإخفاق أصلاً إلى غياب مشروع الدولة الجزائرية الجاد الذي يمكن أن يفضي إلى فتح أفقي الحوار والمثاقفة بين الجالية الجزائرية في فرنسا والمجتمعين المدني والسياسي الفرنسيين. وكما هو معلوم، فإن السلطات الجزائرية لم تقم حتى الآن بأي تحريك للسفارة الجزائرية وقنصلياتها الكثيرة في فرنسا، لتنظيم صفوف الجالية الجزائرية في أطر ثقافية وسياسية واقتصادية تسهل عمليات التوصل مع مكوّنها البشري، بهدف تحديد طريقة التعامل مع المجتمع المدني والسياسي الفرنسي، بما في ذلك في الاستحقاقات الانتخابية الفرنسية التي يشارك فيها عادة بالتصويت ما لا يقل عن مليون ناخب جزائري.

وفضلاً عمّا ذكرنا آنفاً، فإن السلك الدبلوماسي الجزائري في فرنسا لم يؤسس حتى يومنا هذا أي علاقة ارتباط مصيري مع هذا المكوّن البشري للجالية الجزائرية، وجراء ذلك، جرّد نفسه من الأسباب التي يمكن أن تفعّل الحوار بينه وبين ممثلي الجالية، بخصوص الآليات التي بموجبها يتم توجيه الناخبين الجزائريين المؤهلين والمقيمين في فرنسا للتصويت بالإجماع لفائدة هذا المرشح الذي يخدم المصالح العليا للجالية الجزائرية، أو ذاك المرشح الذي يبدي استعداداً جاداً للدخول في مفاوضات حقيقية مع ممثلي هذه الجالية ومع السلطات الجزائرية، من أجل إيجاد حلول توافقية ملزمة للطرفين للمشكلات المتعلقة بالقضايا الحيوية العالقة، ومنها معالجة مشكلات الجالية المادية والثقافية، وإعادة النظر في ملف “مصالحة الذاكرة”، بما يؤدي إلى تسوية مسألة اعتراف الدولة الفرنسية بالجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي طوال قرن وثلاثين سنة من احتلاله للجزائر، وتقديم تعويضات للمتضررين منها.

منذ بدء التحضيرات للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي أجريت دورتها الأولى يوم الأحد الماضي، وأسفرت عن فوز إيمانويل ماكرون ومارين لوبن بانتظار الحسم النهائي بينهما في الدورة الثانية، والسلطات الجزائرية لم تفتح أي حوار يُذكر مع ممثلي الشريحة العمالية للجالية الجزائرية، ومع روابطها الثقافية والفنية والاجتماعية حول الأسلوب الأفضل الذي ينبغي اتباعه للمشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات وللتأثير الإيجابي فيها، سواء من طريق الدخول في مفاوضات جادة مع المرشحين الفرنسيين المعتدلين للحصول منهم على تنازلات لمصلحة الجالية الجزائرية، مقابل التصويت بالإجماع لفائدة من يلبي مطالبها، أم حول الطريقة المثلى التي تساعد على تقديم مرشح ينتمي إلى الجالية الجزائرية أو المغاربية أو الإسلامية، له سمعة وقدرة على الاستقطاب، ثم التباحث في كيفية دعمه في السباق الرئاسي الفرنسي.

إن عدم بذل السلطات الجزائرية أي جهد يذكر في هذا المجال، حرم الجالية الجزائرية في فرنسا من لعب أي دور سياسي واجتماعي وثقافي جاد ومؤثر في هذه الانتخابات أو في الانتخابات السابقة الأخرى، أو في المشهد الفرنسي العام بكل مفاصله الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

رغم أن الجالية الجزائرية تُعتبر أكبر جالية شمال أفريقية في فرنسا، وربما في كامل أوروبا، فهي لا تملك الوسائل المادية والرمزية التي تمكّنها من بناء التحالفات العضوية المؤثرة داخل تشكيلات المجتمع السياسي الفرنسي الذي تجد نفسها فيه معزولة ومهمّشة نتيجة لإهمال السلطات الجزائرية.

ففي مثل هذا الوضع القاسي المفروض على الجالية الجزائرية المهمشة والمفككة، لا يُنتظر منها أن تلعب أي دور كقوة ناعمة ضاغطة لها فرادتها في المجتمع الفرنسي، وبذلك يتعمّق عجز الجزائر عن إنجاز أي رأسمال رمزي ومادي في المهجر الفرنسي، له بصمة جزائرية يمكن أن تساهم في تشكيل بنية الفضاء الفرنسي السياسي، بخاصة، والاجتماعي والثقافي والاقتصادي عموماً.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …