افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – عندما تعلن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من كييف أن روسيا باتت مهددة بالتفكيك، بسبب العقوبات الغربية التي تفرض عليها، وأن روسيا ستغرق في التفكيك الاقتصادي والمالي والتكنولوجي، في حين تسير أوكرانيا نحو مستقبل أوروبي، فإن المسؤولة الأوروبية تكشف عن بعض الأهداف الغربية من خلال معركتها الحالية ضد روسيا، وفرض عقوبات مالية واقتصادية وتجارية غير مسبوقة عليها، ودعم أوكرانيا المحموم عسكرياً ومالياً لتمكينها من الصمود في مواجهة القوات الروسية.
كلام رئيسة المفوضية الأوروبية واضح ولا يحتاج إلى شرح، ويعني خلق حالة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والأمنية داخل روسيا تؤدي إلى تفكيكها، وبالتالي تغيير النظام فيها، وهو ما يلتقي تماماً مع تصريح سابق للرئيس الأمريكي جو بايدن قال فيه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يجب ألا يظل في السلطة»، رغم محاولة البيت الأبيض تلطيف التصريح، بأن الرئيس لم يقصد ذلك تماماً، وأنه في هذا القول خرج عن النص الأصلي للخطاب.
المسؤولة الأوروبية مقتنعة تماماً بأن أوكرانيا ستربح هذه الحرب، وأن الديمقراطية ستربح أيضاً، اعتقاداً منها بأن ما تقدمه الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي من دعم لأوكرانيا سوف يؤدي إلى هزيمة الجيش الروسي وخلخلة الداخل الروسي بما يؤدي إلى تحقيق الهدف الغربي.
من الواضح أن الدول الغربية لا تريد للحرب الأوكرانية – الروسية أن تنتهي إلا بإنهاك الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات المتواصلة المفروضة عليها بهدف إحداث حالة من الفوضى الداخلية تنتهي بتغيير النظام، وهو ما كانت روسيا تدركه، ليس الآن، بل منذ سنوات. فقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمة له أمام مستشاري السياسة الخارجية الروس في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2014، أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بشأن أوكرانيا تهدف إلى تغيير النظام في موسكو، وأضاف أن الدعوات لفرض عقوبات على بلاده ستدمر الاقتصاد وتؤدي إلى احتجاجات عامة. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حذر قبل ذلك بأيام من حدوث «ثورة ملونة»، كما حدث في جورجيا عام 2003، وفي أوكرانيا عام 2004. أي أن روسيا كانت تضع في حسابها أنها مستهدفة بطريقة أو أخرى من خلال زعزعة النظام الداخلي بخلق حالة فوضى جراء العقوبات المفروضة عليها آنذاك، فكيف الآن وقد فرضت الدول الغربية عقوبات هائلة، وتدرس فرض المزيد منها.
الحرب من وجهة النظر الروسية كانت اضطرارية في مواجهة محاولة حصارها عسكرياً بتمدد حلف الأطلسي إلى حدودها الشرقية، وتدمير اقتصادها من خلال العقوبات المفروضة عليها. وتدرك روسيا الآن أن الدول الغربية لا تريد للحرب أن تنتهي، كما أنها لا تريد الانزلاق إلى حرب واسعة قد تنتهي، لكنها في الوقت نفسه تريد ضمانات أمنية متبادلة، لكن يبدو أن هذا المطلب لا يتوفر حتى الآن، لأن الهدف الغربي هو الداخل الروسي، وهو هدف لم تكتمل فصوله بعد.