بقلم: د. فاطمة الصايغ – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – كغيره من المنظمات والهيئات العالمية، رمت الأحداث العالمية الأخيرة بظلالها على مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأمر الذي يتطلب وقفة جدية لمراجعة دور المجلس على الساحتين الخليجية والعالمية. فقد تم تأسيس المجلس في عام 1981 ليكون المنظومة التي تحافظ على مصالح دول الخليج، وقد أثبتت الأيام أنها أهم منظومة سياسية تم إعلانها في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد ولد المجلس من رحم المعاناة السياسية لغياب منظومة تمثل دول الخليج العربية وتتحدث باسمها في المحافل الدولية. فقد كانت منطقة الخليج تمر بجملة من المتغيرات التي ألقت بظلالها على المنطقة العربية بأسرها. ولم يكن إنشاء المجلس وليد تلك اللحظة، فقد كانت الفكرة موجودة منذ منتصف السبعينيات، ولكن الظروف السياسية لم تكن مواتية لإعلانه. ولكن منطقة الخليج شهدت في نهاية عقد السبعينيات منعطفات كبيرة الأمر الذي تطلب سرعة البت في إنشائه.
كان أمام المجلس حين إعلانه في مايو 1981 جملة من الأهداف ومجموعة من التمنيات التي حلم قادة الخليج آنذاك في تحقيقها. ومنذ إنشائه نجح المجلس في جمع شمل الكلمة الخليجية إبان أصعب الظروف على الرغم من وعورة الطريق وصعوبة التحديات وشدتها. كانت الأحلام كبيرة وكانت التحديات أكبر، ولكن قادة الخليج الأوائل نجحوا في تحويل حلم المجلس إلى واقع وفي تذليل الكثير من الصعوبات التي كانت في طريقه. كان هناك إيمان كبير بقدرة المجلس وبدوره على التصدي للكثير من الصعوبات السياسية التي كانت تواجه دول المجلس وعلى رأسها الحرب العراقية الإيرانية والتحولات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط. وبالفعل نجح المجلس، على الرغم من بساطة مؤسساته السياسية وحداثة سنه، في أن يكون فاعلاً رئيساً في الساحة العربية. وتشهد له مواقفه السياسية في الكثير من القضايا العربية المهمة. فقد وقف إلى جانب لبنان والعراق والسودان في أزماتها، واستطاع أن يرسم لنفسه نهجاً وطريقاً محايداً يمثل وجهات نظر كل الدول الأعضاء، من دون الإخلال بوثيقة إنشاء المجلس وأهدافه. وربما مر المجلس بأصعب التحديات إبان الأزمة الخليجية، ولكن المجلس استطاع المرور بتلك الأزمة بسلام مع الحفاظ على حياد تلك المنظومة وكيانها السياسي.
والآن وبعد مرور أكثر من أربعة عقود من إنشائه، يواجه المجلس، كغيره من المنظمات العالمية، تحديات جديدة من جراء المتغيرات التي طالت منطقة الخليج من جهة والعالم من جهة أخرى. فالعالم اليوم يمر بأزمات سياسية حادة تمثل قمة التضاد بين الأقطاب السياسية الرئيسة في العالم. وكان على المجلس أن يطور أدواته وسياساته لكي توائم المتغيرات الحاصلة أمامه. فأمام المجلس الآن تحديات وإذا ما أراد المجلس اجتيازها فعليه مواءمة العصر والتكيف مع المتغيرات الحاصلة، وهذا مطلب مهم من شعوب الخليج التي ترغب في أن ترى المجلس قوياً وفاعلاً. إن لشعوب المجلس أمنية هي أن ترى مجلس التعاون قوياً وفاعلاً في الساحتين الخليجية والدولية.
إن ما يحدث في الساحة العالمية من حروب بين الدول الكبرى، قد أثر في أسعار السلع والطاقة، وبرزت دول الخليج ليس فقط أهمَّ مصدر للطاقة، بل لاعباً رئيساً في الساحة العالمية له دور مؤثر ليس فقط في استقرار الأسواق العالمية، بل أيضاً في استقرار الأمن والسلام في العالم. وبالتأكيد تستطيع دول الخليج مجتمعة وممثلة بمجلس التعاون التأثير في استقرار الأسواق وفي السلم العالمي. وبالطبع يحتاج الموقف الجديد إلى جهود خليجية مكثفة لتمكين المجلس من أداء دوره بكفاءة وقدرة عاليتين.
إن أنظار العالم حالياً معلقة بمنطقة الخليج التي أثبتت الأحداث العالمية الأخيرة كجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، أنها منطقة مهمة على الصعد كافة، الاستراتيجية والاقتصادية والتنموية. ولا بد لمنظومة مجلس التعاون من أن تعكس هذا الاهتمام وهذه الأهمية. ولا يمكن للمجلس أن يكون قوياً من دون جرعة من التمكين يتم ضخها في عروقه. فالعالم اليوم يمر بأزمة قوية ودور الهيئات السياسية العالمية، كمجلس التعاون الخليجي، يجب أن يكون قوياً وفاعلاً في التأثير في سير الأحداث وإحلال السلام العالمي لمصلحة الخليج والعالم. إن هناك تسابقاً بين الدول على اتخاذ مواقف معينة، وكل دولة تتسابق للحفاظ على مصالحها، وليس من العيب أن تتسابق دول الخليج للحفاظ على مصالحها، فالسياسة هي فن المستحيل.