بقلم: د. ماجد الخواجا – صحيفة “الدستور”
الشرق اليوم – من دولة قبلية تناحرت بالدم إلى دولة مواطنة حديثة .. ربع قرن نقل الدولة الفاشلة إلى مصاف الدول المتحضرة.
رواندا قصة في كيفية وأد الفرقة والتناحر الاجتماعي، لقد تحولت من دولة قبلية سادت فيها حملات الإبادة الجماعية إلى أقوى سابع دولة في العالم في النمو الاقتصادي. حقا إنها معجزة تروى.
رواندا وتعني بلد الألف تل أو جبل. رواندا سنغافورة أفريقيا. رواندا من بلد المجاعات والمجازر إلى أحد أسرع الاقتصادات في العالم. رواندا من رماد الحرب إلى عالم الفضاء. رواندا من الإبادة إلى الريادة المثالية. رواندا من الحرب الأهلية إلى التنمية الشاملة الفعلية. رواندا من أرض الموت إلى عاصمة اقتصاد القارة السمراء. رواندا من بلد الفارين بأرواحهم إلى دولة تستقبل وترحب باللاجئين والمهاجرين. رواندا من بلد الرعب والترويع إلى دولة جاذبة للسياحة وواجهة وقبلة السائحين الأولى. رواندا من بلد التناحر القبلي إلى دولة التعايش والتعددية. رواندا من أرض الإبادة إلى دولة العدالة الفعلية. رواندا من بقايا دولة إلى معجزة. رواندا فيها أكبر عدد من النساء في الحكومة والبرلمان. رواندا أنظف بلد إفريقي.
من قلب القارة السمراء التي ينخر فيها الفساد، كانت (رواندا) لا تملك ثروات طبيعية، ولا منفذًا على البحر، لكن تهيأ لها قائدٌ أمين عمل جاهدًا على اجتثاث الفساد والمفسدين، فقد أصدر قانونًا إجباريًّا يتم تطبيقه ميدانيًّا على خمسة آلاف مسؤول رواندي وعائلاتهم، بما فيهم رئيس الجمهورية نفسه؛ وذلك بهدف الكشف عن حساباتهم البنكية وأملاكهم في الداخل والخارج، وتطبيق مبدأ من أين لك هذا؟ وبالفعل ذهب إلى حبل المشنقة بعض المسؤولين الذين نهبوا المال العام، ومن المفارقات العجيبة أن رواندا خرجت من أسوأ حرب أهلية في التاريخ؛ قتل فيها مليون مواطن رواندي في تسعينيات القرن الماضي، لكنها نهضت من مستنقع الإبادة الجماعية لتتحول إلى أفضل سوق مفتوح في أفريقيا، وبنمو سنوي تجاوز أفضل الاقتصاديات في العالم، مسجلةً بذلك أكثر من 8%، كما أنها أطلقت قمرًا صناعيًّا في مجال الاتصالات؛ لتقديم خدمات الإنترنت مجانًا لكل المواطنين في هذا البلد الأفريقي الذي أصبح حديث العالم، ونموذجًا يُحتذَى به في العالم النامي.
رواندا نهضت من وحل التناحر القبلي وحمامات الدم العبثية وفتحت صفحات جديدة من التسامح ومن الإعلاء من قيمة وشأن الدولة الوطن. وأصبحت تدار كافة الشؤون فيها بشفافية حقيقية وستسود فيها الديمقراطية التي قبل بها الجميع من أجل إعادة بناء بلد أصبح في ذيل قائمة دول العالم في كل شيء.
رواندا الآن تقدم أعظم قصة حضارية عن كيفية الخلاص من الأمراض الاجتماعية والانطلاق نحو الحضارة بقلب وعقل وإرادة جعلت منها دولة في مقدمة دول العالم القابلة للتطور والحداثة، مع أنها لا تمتلك موارد طبيعية كافية ، لكنها عملت بعزيمة صلبة لبناء البلد من كافة جوانبه، حيث التعليم والصحة والعمل والرفاهية، أصبحت كلها متقدمة ومتطورة بما يحقق متطلبات الحياة الكريمة حقا.