بقلم: رندة تقي الدين – النهار العربي
الشرق اليوم- قبل أقل من أربعة أيام من توجه الفرنسيين إلى صناديق الاقتراع في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية للاختيار من بين 12 مرشحاً يوم الأحد المقبل، تؤكد مؤسسات استطلاعات رأي عديدة حصول المرشح الرئيس إيمانويل ماكرون على 26.5 في المئة من الأصوات والمرتبة الأولى.
ويحتمل أن يواجه ماكرون في الجولة الثانية مرشحة اليمين المتطرف، رئيسة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبن، التي سجلت أخيراً صعوداً مطرداً في استطلاعات الرأي مع 21.5 في المئة من الأصوات، ما دفع بعض الأوساط إلى المراهنة على إمكان فوزها بالرئاسة. حتى أن رئيس حكومة ماكرون السابق رئيس حزب horizon المؤيد له إدوار فيليب لم يستبعد إمكان فوزها، ومثله يفكر عدد من الإعلاميين استناداً إلى استمرار صعودها.
يحل بعد لوبن رئيس حزب اليسار المتطرف “المتمردون” Les Insoumis جان لوك ميلانشون بـ16 في المئة في المرتبة الثالثة، ثم اليميني المتطرف الفرنسي الجزائري الأصل إيريك زيمور في المرتبة الرابعة بـ10 في المئة، بعيداً من منافسته لوبن التي اعتمدت خلال حملتها خطاباً أهدأ منه بالنسبة إلى قضايا الهجرة والإسلام، وركزت أكثر على قضايا الشعب الفرنسي مثل القوة الشرائية والتقاعد والرواتب لتجذب جزءاً من مؤيديه.
ويحل الاستحقاق الرئاسي في ظروف استثنائية، إذ إنه يتم خلال الحرب الروسية على أوكرانيا، فيما الشعب الفرنسي، كما المرشح الرئيس ماكرون، يوجهان انتباههما إلى تلك الحرب. ثم إن موعد الدورة الأولى يتزامن مع إجازة أعياد الفصح التي تغادر فيها عائلات كثيرة أماكن إقامتها، إضافة إلى توقعات بارتفاع أعداد الممتنعين عن التصويت، لأن البعض يعتبر أن النتيجة معروفة، وأن ماكرون سيبقى.
ماكرون الذي أقلقته نتائج استطلاعات الرأي واحتمالات التغيب، دعا في مهرجانه الانتخابي الوحيد في “لا ديفانس أرينا” إلى التعبئة، حيث حث الفرنسيين على التوجه إلى الاقتراع لأن “الانتخاب لم يحسم” بعد. ويجدر التذكير بأنه في أيام حرب أوكرانيا الأولى، صعد نجم الرئيس ماكرون صعوداً كبيراً، وارتفعت شعبيته في استطلاعات الرأي ارتفاعاً لافتاً، لكنها عادت وتراجعت.
واللافت في هذه الانتخابات أن مرشحتي الحزبين الرئيسيين التقليديين في فرنسا، الاشتراكية عمدة باريس آن هيدالغو، تحظى بأدنى مستوى من الشعبية في الاستطلاعات بـ2 في المئة، وفاليري بيكريس مرشحة حزب الجمهوريين اليميني المعتدل تحظى بـ8 في المئة. وهو ما يعبر عن تدهور أوضاع الحزبين.
تجدر الإشارة إلى أن ماكرون ينتقد بشدة اليمين المتطرف وأفكار لوبن في خطاباته من دون أن يسميها، فيتكلم عن الذين يريدون الخروج من اليورو صباحاً، ثم يغيرون ليعودوا إليه مساءً، في إشارة إلى قلة خبرة لوبن في العمل السياسي عندما كان برنامجها الخروج من اليورو، ثم غيّرت بعد رفض الفرنسيين هذا الطرح. كما ينتقد بعض منافسيها برنامجها الذي يتضمن شراكة مع روسيا، هي المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين الذي أيدها خلال الانتخابات الماضية.
ويعتقد متابعون للسياسة الفرنسية أن وصول لوبن إلى الرئاسة هو بمثابة كارثة لفرنسا ودبلوماسيتها، خصوصاً أن الناطق الرسمي باسم حزبها تييري مارياني نائب أوروبي زار الرئيس السوري بشار الأسد سبع مرات خلال حربه ضد شعبه، ووصفها بأنها حرب ضد الإرهابيين.
احتمال فوز لوبن بالرئاسة أصبح مبعث قلق حقيقي في فرنسا، حتى أن أوساط ماكرون بدأت تقلق من ذلك، وتلاحظ كراهية ورفضاً لشخصه. كثيرون يعتبرونه متكبراً ولا يسمع لأحد، ويحكم بعزلة من دون أن يستشير أحداً. انتقادات ليست في محلها، كما يقول مقربون منه، لأنه أثبت قدرة في إدارة البلد خلال أزمة كورونا على الصعيدين الصحي والاقتصادي.
على صعيد آخر، هو مستمر في السعي مع دول الخليج والأسرة الدولية إلى إخراج لبنان من مأزقه. حتى في خطابه في مهرجانه الانتخابي ذكر لبنان وقال: “لا بد من الاستمرار في بناء التحالفات في الشرق الأوسط، والمضي في التحرك من أجل اختراع حلول للبنان، هذا البلد الذي نحبه كثيراً”. ولكن للشعب الفرنسي اهتمامات مختلفة، وفي طليعتها القوة الشرائية وتقاعده ورواتبه، ووعود لوبن إغراء بحت يمكن أن يجذبهم، لذا ثمة خطر من احتمال فوزها بالرئاسة.