بقلم: حمادة فراعنة – صحيفة “الدستور”
الشرق اليوم – في المتابعة والتدقيق للحملة الإعلامية المكثفة المنظمة، من قبل وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية وبعض أدوات بلدان العالم الثالث التي تسير وفق تعليمات واشنطن، لمتابعة الحدث الأوكراني، يتفوق التضليل والافتراء في معاداة الروس.
الروس ليسوا أنبياء، والحرب لا تحمل الحد الأدنى من القيم واحترام حقوق الإنسان، ولكن الذي يفرض أدوات المواجهة وشكلها ومضمونها، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، هو موازين القوى على الأرض وسير المعارك، بين المتحاربين، ومهما بدت المقاومة الأوكرانية قادرة على توجيه ضربات موجعة للقوات الروسية، أو هكذا يُفترض، ولكن الوقائع تسير نحو مصلحة روسيا بسبب قدرتها التدميرية، وكثافة النيران الموجهة، وتوفر قوى صديقة من القومية الروسية كجزء من الشعب الأوكراني، إن لم تقف مع القوات الروسية علناً وبوضوح، فعلى الأقل لا تقف ضدها، لأن أحد دوافع الاجتياح الروسي لأراضي أوكرانيا هو تحرير القومية الروسية من هيمنة وتسلط الأوكرانيين ورد الاعتبار للروس الذين تعرضوا للأذى على أيدي بعض القوى الأوكرانية المتطرفة.
معركة أوكرانيا لم تحسم بعد، وما زال الصراع سجالاً، والاشتباك متواصل، رغم بدء «الزحزحة» الأوكرانية عن عنادهم، وتراجعهم النسبي باتجاه الاستجابة لبعض المطالب الروسية، خلال جولات التفاوض الأربعة.
المعركة بالنسبة لروسيا، ليست كسب أراض أوكرانية، ومطالبها محددة أن لا تكون أوكرانيا جزء من حلف «الناتو» الأميركي، وأن تعلن الحياد وتلتزم به، وقد عبرت عن استعدادها لأن تكون كذلك، بعدما وجدت أن الدعم الأميركي الأوروبي لا يصل إلى مستوى الشراكة في معركة مواجهة الروس، وأن الحصيلة أن أوكرانيا وحدها تدفع ثمن عنادها، وثمن محاولة انضمامها للناتو، وانحيازها للسياسة الأوروبية المتصادمة مع روسيا.
أوروبا، وخاصة ألمانيا وفرنسا، مكرهة على الإنحياز للموقف الأميركي، لأن أوروبا تشعر بمساوئ التسلط الأميركي، وتتمنى أن تكون محايدة، بل وتتمنى أن لا تفشل روسيا في مسعاها.
ألمانيا بعد أن تحررت أو كادت من ثقل هزيمتها بالحرب العالمية الثانية، تبحث عن ذاتها كأقوى دولة اقتصادية في أوروبا، تتوسل أن تحتل مكانة تُعبر عن قوتها، وها هي بعد أن تحررت من شروط الهزيمة، رصدت مائة مليار يورو، لتسليح نفسها كي تتحول لقوة عسكرية توازي قوتها الاقتصادية المتفوقة.
روسيا، بعيداً عن تفاصيل معركتها في أوكرانيا، تعمل من أجل إلغاء نتائج هزيمتها في الحرب الباردة، وهي لم تفعل ذلك إلا بعد أن فرضت تفوقها بالأسلحة التقليدية كما هي الأسلحة النووية، ولهذا فهي تقود معركة استعادة دورها، وبلدان العالم التي لا تخضع للهيمنة الأميركية، تتمنى نجاح روسيا وانتصارها، لأن نتيجتها ستكون لصالح التوازن الدولي، وإلغاء التفرد الأميركي وهيمنة واشنطن الأحادي على صنع القرار العالمي.