بقلم: عمرو الشوبكي – المصري اليوم
الشرق اليوم – الاتهام الذي رفعه الكثيرون في حق النخب الحاكمة في أفغانستان وأوكرانيا يكاد يكون واحدًا، حيث اعتبروها نخبًا مُصنَّعة غربيًّا، وفرضتها الولايات المتحدة بطرق مختلفة على شعوبها.
هذه المقولة- أو الاتهام- ليست بعيدة عن الحقيقة، ولكنها أنتجت ليس فقط نظامين مختلفين، إنما الأهم أداء مختلف، بالنسبة للنظام الذي زرعته أمريكا في أفغانستان منذ 20 عامًا، والنظام الذي قيل إنها زرعته في أوكرانيا عقب ثورتها البرتقالية.
والحقيقة أن جملة تصنيع النخب خارج الحدود لا تفسر لنا الفروقات الجوهرية بينها، وكيف أن النخبة والمؤسسات التي استثمرت فيها الولايات المتحدة في أفغانستان على مدار عشرين عامًا أنتجت جيشًا استسلم، في أيام، أمام «طالبان»، رغم أنه كان أقوى منها عددًا وعتادًا، ورئيسًا: أشرف غني، هرب بالأموال، في حين أنها أنتجت في حالة أوكرانيا جيشًا صمد ويحارب ورئيسًا: «زيلينسكي» بقى وسط شعبه ولم يفر.
صحيح أن في أفغانستان كانت المواجهة مع قوى محلية هي حركة طالبان وليس غزوًا خارجيًّا، إنما النتيجة تقول إن جهود أمريكا المستميتة من أجل تصنيع نخبة موالية لها على مدار عقدين قد فشلت، وهو عكس التجربة الأوكرانية التي من المؤكد أن الدعم الغربي والأمريكي يمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء صمودها، ولكن السبب الأهم هو شعور جزء كبير من الشعب الأوكراني أنهم جزء من القيم الغربية والأوروبية وأنهم يرفضون الالتحاق بروسيا، مثلما يشعر الغالبية العظمى من سكان «إقليم القرم» بانتمائهم إلى روسيا ويقاتلون مع جيشها.
تصنيع نخبة غربيًّا لا ترفضه فقط معايير السيادة الوطنية، إنما أيضًا البيئة الحضارية والثقافية والسياسية التي توجد فيها هذه النخب، فإذا كانت البلاد الأوروبية تعتبر نفسها جزءًا من القيم الغربية، أي أن المصنع الذي «يصدرها» هم شركاء فيه، فهذا ما جعل الدعم الأمريكي والغربي لكل دول أوروبا الشرقية من أجل التخلص من النظام الشيوعي وبناء نخبة جديدة ينجح لأنه عبّر عن قناعات أغلب الناس.
أما في المجتمعات العربية والإسلامية وبلدان أمريكا الجنوبية والصين وروسيا والبلدان المرتبطة بها ثقافيًّا وسياسيًّا، فإن الأمر يتعدى مفهوم السيادة الوطنية ورفض التدخل الخارجي ليصل إلى قناعة المجتمع (وكما أكد الواقع أيضًا) أن ما يُصنع غربيًّا وأمريكيًّا غير صالح لقيادة هذه البلدان.
صحيح أن هذا لا يعني أن الديمقراطية لا تصلح في العالم العربي والإسلامي وتصلح فقط في الغرب، ولكن يعني أن الخبرة الأمريكية في «تصنيع» النخب وارد أن تُقبل وتنجح في مجتمعات لديها نفس القيم المشتركة كما جرى في أوكرانيا، في حين أن قبولها داخل مجتمعات خارج الإطار الحضاري الغربي، كما جرى في أفغانستان وغيرها، ينتج نخبة فاشلة، وأن بناء الديمقراطية هو مسار داخلي بالأساس كما علّمتنا كثير من تجارب أمريكا الجنوبية ودول الجنوب.