الشرق اليوم- أوضح الانسحاب السريع للجيش الروسي من كييف الأسبوع الماضي حجم فشله، حيث ترك خلفه جثث الجنود الروس والدبابات والمعدات المحترقة، وذلك بعد أن كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يمني نفسه بضربة قاضية ضد العاصمة كييف.
تزعم المخابرات الغربية أن المعلومات الخاطئة من المقربين من بوتين هي ما قادته إلى طريق الفشل، مشيرة إلى أن هناك توترا كبيرا في الكرملين وخلافات بين الزعيم الروسي وكبار رجال الدولة.
وبينما قالت مديرة الاتصالات في البيت الأبيض، كيت بيدينجفيلد: “إن كبار مستشاري بوتين يخشون إخباره بالحقيقة”، رد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأنه “يبدو أنه لا وزارة الخارجية ولا البنتاغون يعرفان حقيقة ما يحدث في الكرملين”.
وقالت الصحفية الروسية المستقلة التي كتبت عن الحالة المزاجية السائدة بين المسؤولين منذ بدء الحرب، فريدة روستاموفا: “ما أعلمه أن الدائرة التي يتحدث إليها بوتين صغيرة للغاية”.
وتوضح أنه “يُسمح لعدد قليل فقط من الأشخاص برؤيته شخصيا ويجب أن يكونوا على مسافة”، مضيفة أن “قلة قليلة منهم فقط يستطيعون التواصل معه عبر الهاتف، ويكون ذلك عبر اتصال بوتين بهم وليس العكس”.
ويعقد بوتين كل أسبوع مكالمة فيديو مع مجلس الأمن التابع له، وهو مجموعة من المتشددين والتكنوقراط الذين أصبحوا بمثابة حكومته في زمن الحرب منذ غزو أوكرانيا.
يسيطر على أغلب هذا المجلس، الذي يعتبر بمثابة الأذن التي يسمع بها بوتين، قادة الأجهزة الأمنية المختلفة.
من بين هؤلاء القادة، نيكولاي باتروشيف، ضابط المخابرات السوفيتية السابق الذي التقى به بوتين في لينينغراد في السبعينيات، ورئيس جهاز الأمن الفيدرالي، ألكسندر بورتنيكوف، الذي عرفه بوتين أيضا منذ أربعة عقود، ووزير الدفاع التكنوقراطي سيرغي شويغو، وسيرغي ناريشكين، رئيس الاستخبارات الخارجية لبوتين.
ويجمع هؤلاء الميل نحو نظرية المؤامرة وشكهم في الغرب، مما يجعلهم حلفاء طبيعيين للرئيس الروسي في زمن الحرب، وبدوا وكأنهم تحت سيطرة إشارة الرئيس الروسي، خلال اجتماع متلفز قبل أيام من الغزو، مما جعل ناريشكين يتلعثم بينما كان بوتين يضغط عليه “للتحدث بوضوح”.
وقال أستاذ السياسة الروسية في جامعة هلسنكي، فلاديمير غيلمان: “من الواضح أنه نظام شديد المركزية، وأصبح أكثر مركزية خلال الحرب”.
وشبه غيلمان الكرملين بأنه “مثل النظام الشمسي، وأن بوتين بمثابة الشمس وأن أعضاء “مجلس الأمن” الروسي، هم الكواكب ذات المدارات المختلفة حوله”، مضيفا أن ما يحدث “يخبرنا عن مدى ضآلة تأثير أعضاء المجلس”.
أما خارج المجلس، فإن المسؤولين الآخرين لا يستطيعون الوصول إلى الرئيس، وينتظرون أن يتصل بهم بوتين، بما فيهم رئيس الوزراء، ميخائيل ميشوستين، ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، بحسب روستاموفا.
لكن منذ أسبوعين، اختفى كل من وزير الدفاع، شويغو، ورئيس أركان الجيش، فاليري غيراسيموف، مما أثار شائعات بأنهما يعاقبان بسبب البداية الفوضوية لروسيا في الحرب.
وفي تطور محرج للغاية، اضطرت وزارة الدفاع إلى الاعتراف بأنها أرسلت مجندين في مهام قتالية بعد أسر بعضهم وقتل آخرين في أوكرانيا، بعد أن كان بوتين نفى سابقا وجود أي مجندين يقاتلون في أوكرانيا على الإطلاق.
لكن على الرغم من الدلائل على غضب بوتين من شويغو، يشير محللون إلى أنه من غير المرجح أن يقدم على إقالة وزير الدفاع في خضم عملية عسكرية كبيرة.
وبينما تداول البعض ما ورد عن اعتقال العديد من ضباط الاستخبارات رفيعي المستوى، وإقالة مسؤولين في الحرس الوطني، كدليل على الانقسام المتزايد بشأن الحرب، فإن خبراء يشيرون إلى أن صفوف الكرملين تبدو ثابتة إلى حد كبير، مع القليل من التغييرات الملحوظة بين مستشاري بوتين.
وتعتقد مؤسسة شركة “آر بوليتيك” للتحليل السياسي، تاتيانا ستانوفايا، أن بوتين “غير سعيد بالأداء، لكن هذا لا يعني أن الناس في الداخل مستعدون لانقلاب أو أي شيء من هذا القبيل. هذا مجرد تمنيات”.
وفرضت الدول الغربية عقوبات على الأوليغارشية (النخبة الثرية) التي يُنظر إليها على أنها موالية لبوتين، والتي قد يستغلها لتوسيع نفوذه، فيما رجحت دوائر عدة أنه ربما يستمع إلى أصحاب الأموال، الذين لديهم أصول بالمليارات.
ومن بين المتضررين من العقوبات البريطانية، الملياردير الروسي، رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي الإنكليزي، الذي ظهر بشكل غير متوقع خلال مفاوضات غير رسمية في اسطنبول، الشهر الماضي، حيث ادعى هو وعضوان من الفريق الأوكراني أنهما تعرضا للتسمم.
لكن الأوليغارش أنفسهم يزعمون أنه قد مرت سنوات بالفعل على استبعادهم من الدائرة المقربة جدا من الكرملين، من خلال صقور الأجهزة الأمنية التي أجبرتهم على الخروج من هذه الدائرة.
وقال أحد الأوليغاريش، الذي يعرف بوتين منذ التسعينيات، لصحيفة الأوبزرفر: “لا فائدة من أمثالي في التحدث إلى الكرملين، الأمر لا يعمل بهذه الطريقة. دعونا لا نكون ساذجين. لم يكن لدينا أي صلة منذ سنوات “.
وقال قادة الأعمال: إنهم علموا بالغزو فقط بعد بدايته، عندما استدعى بوتين العديد منهم إلى اجتماع للمطالبة بالولاء.
وأوضحوا: “هذه الحرب لم تناقش مع مجتمع الأعمال، قيل لنا في اليوم التالي للغزو أن كل شيء سيكون على ما يرام ولكن لم يكن هناك خيار آخر، ولم تكن مناقشة”.
وأكدوا أن “النظام تطور على مر السنين؛ بالطبع كانت هناك تكتلات مختلفة في البداية، لكن بعد (ضم) القرم في 2014، اتضح أنه لا مكان لما يسمى بالجناح الليبرالي”، مشيرين إلى أن وباء كورونا زاد من خروج مجتمع رجال الأعمال من الدائرة المقربة.
وغادر بعض هؤلاء المستشارين الليبراليين السابقين، مناصبهم أو حتى البلاد، حيث استقال أركادي دفوركوفيتش، المستشار الاقتصادي السابق في الكرملين، من منصبه رئيسا لمؤسسة سكولكوفو، تحت ضغط النظام، وذلك بعدما انتقد الحرب في مقابلة.
واستقال أناتولي تشوبايس، مهندس الخصخصة في روسيا، الذي تبوأ منصب النائب الأول لرئيس الوزراء في عهد بوريس يلتسين، ثم عمل مستشارا لبوتين في القضايا البيئية، وقد غادر روسيا إلى تركيا الشهر الماضي.
وتقول روستاموفا: “هناك موقف عام مفاده أنه حتى لو تمكن شخص ما من الوصول إليه، فإنه لن يحدث فارقا حقا، وأن بوتين قد ضبط بوصلته في اتجاه محدد”.
وكل هذا في الواقع يدفع بعيدا فكرة أن بوتين قد ضُلل بشأن حجم الحرب، بل إنه اختار عدم الاستماع، بحسب صحيفة “الغارديان”، التي أشارت إلى أن المنافسة الطبيعية بين مستشاري بوتين، تعني أيضا أنهم سيكونون على الأرجح حريصين على الإشارة إلى أخطاء الآخرين.
وقالت ستانوفايا: “من المستحيل إخفاء كل شيء، نحن نعلم أن هناك منافسة جدية داخل الأجهزة الأمنية. لذا إذا أخطأ الجيش، فنحن نعلم أن هناك الكثير من القادة الآخرين على استعداد للإبلاغ عن ذلك، بدءا من رئيس الشيشان، رمضان قديروف إلى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، لذلك لن أقول إن بوتين مضلل الآن. لكن من الممكن أن يتلقى معلوماته في وقت متأخر “.
المصدر: الحرة