بقلم: برايس كوتورييه
الشرق اليوم- كسر المحررون وكتاب المقالات عبر المحيط الأطلسي المحرمات وتناولوا عمق الهواجس الغربية، من ضعف الولايات المتحدة وصعود القوة الصينية إلى الخوف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى اقتراب النهاية المتوقعة للهيمنة الغربية على العالم، فهل الغزو الروسي لأوكرانيا هو بالفعل بداية الحرب العالمية الثالثة؟
لم يفاجئ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، واشنطن، التي علمت بقرب حدوثه عبر “آذانها الطويلة”، وحذرت العواصم الأوروبية غير المصدقة قبله بعدة أسابيع، إلا أنه مع ذلك أثار قلق الخبراء الأمريكيين في العلاقات الدولية وحوّل اهتمامهم الذي كان منصبا بهوس على صعود المنافس الصيني مقابل ضعف قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع ذلك.
وأوضحت المجلة أن الكاتب الأمريكي المرموق جون ميرشايمر أطلق نقاشا دائما حول أفضل السبل لاحتواء صعود الصين الذي لا يمكن وقفه، وكتب أن أنصار النظام الدولي الليبرالي -من جورج بوش إلى باراك أوباما- ارتكبوا الذنب الذي لا يغتفر بملاحقتهم أملا أحمق في أن بكين ستنزلق إلى النظام الدولي الذي صممه الغرب وأنها سوف تتحرر، مما جعلهم يفتحون لها أبواب منظمة التجارة العالمية، ويستثمرون فيها بشكل كبير، ويشرعون في عمليات نقل مهمة للتكنولوجيا للسماح لها بالتطور السريع.
غير أن سياسة الرئيس الصيني شي جين بينغ كانت استبدادية في الداخل وغير ثابتة على الساحة الدولية، فهو ينوي الاستفادة من التركيبة السكانية والثروة الصينية للسيطرة على آسيا وطرد الأمريكيين، وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب -حسب ميرشايمر- هو الذي أدرك أخيرا مصدر الخطر، واستعاض عن إستراتيجية العقد بإستراتيجية الاحتواء.
3 تحديات عسكرية متزامنة
وكان الصحفي البريطاني البارز جدعون راتشمان مؤلف كتاب “الاستشراق.. الحرب والسلام في القرن الآسيوي” قد توقع منذ فترة طويلة أن الهيمنة الغربية على العالم تقترب من نهايتها، وأن العولمة القديمة (حيث كان الجميع منتصرا) قد تغيرت طبيعتها، لأن الكتل التجارية لم تعد تدخل في صراع على نحو متزايد من أجل الوصول إلى الموارد والأسواق.
وقد توقع راتشمان عبر مجلة فايننشال تايمز (Financial Times) هجوم روسيا على أوكرانيا يوم 13 ديسمبر 2021، وقدر أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها أمام هذه المهمة في عام 2022.
وأشار إلى أنه يستحيل على واشنطن أن تواجه 3 تحديات عسكرية متزامنة، في أوكرانيا وتايوان والشرق الأوسط، إذ إن روسيا والصين وإيران 3 قوى تنوي الهيمنة على منطقتها وتبرر طموحاتها الإقليمية من خلال ادعاء وجود روابط عرقية أو دينية مع من تستهدفهم، وقد أبدى اعتقاده بأن القنبلة يجب أن تنفجر أولا في الجانب الروسي، متسائلا: ماذا عن تايوان؟
الصين عند مفترق طرق
ولا تعتبر الصين تهديدا وشيكا لأن رئيسها شي جين بينغ يسعى إلى إعادة تعيينه رئيسا للحزب والدولة في المؤتمر الـ20 هذا الخريف، وبالتالي ليس هذا هو الوقت المناسب لشن عملية ضد تايوان مثل العملية التي تعثر فيها بوتين في أوكرانيا حتى أن بعض الخبراء يعتمدون على بكين للتوسط في اتفاقية سلام بين روسيا وأوكرانيا، مع أن أحد هؤلاء وهو ستيفن روتش المدير السابق لمؤسسة مورغان ستانلي -والذي أصبح أستاذا في جامعة ييل- يلاحظ أن شي جين بينغ وقع مع بوتين اتفاقية تعاون في 4 فبراير الماضي تربط بلديهما بـ”شراكة مميزة”.
من ناحيته، يلاحظ خبير آخر هو إيفان فايغنباوم أن الصين غير مرتاحة، فهي من ناحية تدعو إلى مبادئ الاحترام الصارم للسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكنها من ناحية أخرى تكرر جميع عناصر دعاية بوتين، كاستفزازات الناتو ومختبرات الحرب البيولوجية الأميركية السرية في أوكرانيا.
غير أن على بكين إذا أرادت أن تثبت أنها ليست قوة تخريبية مثل روسيا أن تكون مستعدة لتحمل المسؤوليات العالمية التي تتماشى مع قوتها، وأن تحصل أولا على وقف إطلاق النار، وبعد ذلك يمكنها عقد قمة مجموعة الـ20، وقيادة تحالف الدول الراغبة في إعادة بناء أوكرانيا.
إن الحرب الباردة الجديدة ستكون أسوأ بكثير من الحرب القديمة، ويحذر بعضها من احتمال توسع الحرب الحالية إلى دول أوروبية أخرى، ويقارن البعض الآخر بين غزو أوكرانيا وغزو الزعيم النازي أدولف هتلر لبولندا عام 1939، خاصة مع ما سبق الحرب على أوكرانيا من إرهاصات مثل غزو بوتين لجورجيا وضمه شبه جزيرة القرم وتدميره مدينة حلب السورية بالقنابل دون أن يواجه أي مقاومة، مما أشعره أنه قادر على فعل كل شيء، فهل ما يقوم به بوتين حاليا من تدمير في أوكرانيا هو فعلا جزء من الحرب العالمية الثالثة؟
وهنا يشارإلى أن حلف شمال الأطلسي يخشى تطور الأمور بهذا المنحى، وهذا ما جعله يرفض الطلب الأوكراني بفرض حظر على الطيران في سماء أوكرانيا، لكن “نفورنا المعلن من المواجهة هو بالنسبة لروسيا دعوة للتصعيد وليس رادعا”، فبوتين “يرعب الغرب، ورفاقه في بكين وطهران وبيونغ يانغ يتابعون ذلك”.
ترجمة: الجزيرة