بقلم: ميسي رايان – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – أعلنت إدارة بايدن أن جيش ميانمار قام بأعمال ترقى إلى جريمة إبادة جماعية ضد قومية الروهينغا في البلاد، متخذةً خطوةً تأخَّرت طويلاً لإلقاء الضوء على ما يقول مسؤولون أميركيون إنها محاولة متعمَّدة للقضاء على أقلية ضعيفة وهشة. التصميم الذي نفذ به جيش البلاد عملياته في عامي 2016 و2017 يعيد التركيز على ما يقول مسؤولون، إنها محاولة متواصلة من قبل قيادة ميانمار (ببورما سابقاً) لاستهداف الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم يتحدَّون الحكم العسكري. ويذكر هنا أن الجيش سيطر سيطرةً تامةً على حكومة ميانمار بعد انقلاب العام الماضي.
وقال أنتوني بلينكن في كلمة ألقاها بالمتحف الأميركي لذكرى الهولوكوست في واشنطن: «إن الهجوم الذي استهدف الروهينغا كان واسع النطاق وممنهجاً»، مضيفاً: «إن الأدلة تشير أيضاً إلى نية واضحة وراء هذه الفظاعات الجماعية، أي النية لتدمير الروهينغا بشكل جماعي أو جزئي، من خلال أعمال قتل وتعذيب». وقال بلينكن، إن تحليلات وزارة الخارجية الأميركية استندت جزئياً إلى مقابلات مع الروهينغا الذين فَروا إلى بنغلاديش المجاورة، والذين أفاد الكثير منهم بأنهم شهدوا أعضاء من جيش ميانمار يقتلون أشخاصاً أو يغتصبونهم. وقال خُمُسُ المستجوَبين، إنهم شهدوا هجوماً تعرَّض خلاله أكثر من 100 شخص للقتل أو الإصابة.
كما أوضح بلينكن أن بعض الجنود الذين شاركوا في الهجمات قدّموا للمحقِّقين لاحقاً تقاريرَ حول ما جرى. تصريح الوزير الأميركي ينهي فترة طويلة من التفكير في مثل هذه الخطوة. ففي عام 2018 درست وزارة الخارجية الأميركية إدانة ميانمار بتهمة ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية»، وذلك بعد تقرير وجد ما يفيد بوجود تخطيط وتعمّد قبل حملة الأرض المحروقة التي أطلقها الجيش في أغسطس 2017 ضد الروهينغا. وكانت مكاتب مهمة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية قد وافقت على استخدام تسمية «جرائم ضد الإنسانية» في التعليق على أحداث ميانمار، وهو ما قد يقود إلى الاستنجاد بالمحكمة الجنائية الدولية.
لكن الحكومة الأميركية لم تُدلِ بمثل هذا التصريح أبداً، مما اعتبره أنصار حقوق الإنسان فرصة مهدرة لتحميل النخبة العسكرية الحاكمة مسؤوليةَ فظاعات خطيرة وقعت في ميانمار، وبالتالي وضع هذه النخبة تحت طائلة القانون الدولي.
وخلال الأيام الأخيرة من عمر إدارة ترامب، وافق وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو على تركيز الاهتمام على الصين، تاركاً المدافعين عن الروهينغا يشعرون كما لو أن محنة هذه الأقلية طالها التهميش حالمَا أصبح الموضوع خارج دائرة ضوء وسائل الإعلام. وبدورها، تعرَّضت الحائزة على جائزة نوبل للسلام «أونغ سان سو كيي»، زعيمة ميانمار المنتخَبة ديمقراطياً، لانتقادات دولية كبيرة لأنها لم تتحدَّ الحملة التي تستهدف الروهينغا من قبل الجيش الذي يزداد قوةً.
وبعد انقلاب عام 2021، أقدم الجيش على اعتقال «سو كيي» نفسها، وكذلك مستشاريها ووزرائها الرئيسيين، والذين ما زال معظمهم قيد الاعتقال، ويواجهون عقوبات تصل إلى السجن المؤبد. وقد حاولت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى تحميل جيش ميانمار المسؤوليةَ والعمل على تغيير مسار البلاد.
غير أن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان – من النوع الذي تعرَّض له الروهينغا – توسعت وامتدت إلى مناطق ومجموعات إثنية أخرى عبر ميانمار، في وقت يسعى فيه الجيش إلى تعزيز سلطته والقضاء على أي معارضة لحكمه، بما في ذلك من مجموعات تمرد مسلح. وفي كلمته، قال بلينكن، إن الجيش قام منذ الانقلاب بقتل أكثر من 1600 شخص وتعريض عدد أكبر من ذلك لسوء المعاملة والعنف الجنسي في المعتقل، مشيراً إلى هجوم وقع في ديسمبر 2021 وأسفر عن مقتل 35 شخصاً على الأقل، بمن فيهم نساء وأطفال وعاملون مساعدون.
إعلان الوزير الأميركي يأتي في وقت تحاول فيه إدارةُ بايدن مواصلةَ إيلاء الاهتمام لآسيا، وخاصة البلدان التي تقع في الفناء الخلفي للصين، حتى في الوقت الذي ما زالت فيه الحرب في أوكرانيا أولوية بالنسبة لواشنطن. كما يمكن أن يساعد ذلك على تعزيز قضية إبادة جماعية متواصلة ضد جيش ميانمار في محكمة العدل الدولية. تلك القضية، التي رفعتها دولة غامبيا، ستكون ثالث قضية إبادة جماعية تنظر فيها المحكمة طوال تاريخها. وسيحكم قضاة محكمة العدل الدولية بشأن ما إن كان يمكن المضي قدماً في القضية بعد الاستماع إلى المرافعات الابتدائية من الطرفين. لكن هذه العملية يمكن أن تستغرق أشهراً وربما سنوات.
وقال بايدن، إن الولايات المتحدة ستسعى إلى مساعدة جهد المحاسبة عبر تقاسم معلومات مع غامبيا. كما أعلن أن واشنطن ستوفِّر «قرابة مليون دولار من التمويل الإضافي» لتحقيق مستقل مرتبط بتوثيق الفظاعات. كما قال بلينكن، الذي ذهب زوج والدته إلى معسكر اعتقال نازي خلال الحرب العالمية الثانية، إنه يأخذ مسؤوليةَ الإعلان عن جريمة الإبادة الجماعية «على محمل الجد» نظراً لتاريخ عائلته. وخلال زيارته للمتحف، تفقَّد معرضاً يسمى طريق بورما إلى الإبادة الجماعية. وقال: «منذ الانقلاب، رأينا الجيش البورمي يستخدم العديد من التكتيكات نفسها»، مضيفاً: «والآن أخذ الجيشُ يستهدف أي شخص في بورما يعتقد أنه معارض أو يسعى لإضعاف سلطته».