بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تسارعت الأحداث على مستوى العالم، وأخذت منحى تصعيدياً على المستويات كافة، سياسية وعسكرية واقتصادية، وعلى الرغم من أن العالم كان يئن وما زال تحت وطأة فيروس “كورونا” وما خلّفه من أزمات عميقة، أطاحت اقتصادات دول، وحطمت تطلعات شعوب، وساقت الملايين نحو الفقر والبطالة والمجاعة، أتت الأزمة الأوكرانية لتصب الزيت على النار وتزيد الطين بلة، وتكمل ما بدأه الفيروس، حيث كان لها أثر كبير مسّ معظم دول العالم، وأضحت الكثير من العواصم تتخوف من مجاعات بسبب خلل في سلاسل التوريد، وما تبعه من ارتفاع فاحش في الأسعار، إضافة إلى ما قد تخلّفه الحرب من أزمات أمنية على الكثير من الدول.
الشرق الأوسط ليس بمعزل عن العالم، وقد وصلته تبعات الحرب التي لها دور كبير في التأثير في أسواق الطاقة، والحبوب، في ظل الدور الروسي الكبير في مدّ أوروبا ودول أخرى بالنفط والغاز، ودور روسيا أيضاً إلى جانب أوكرانيا في تصدير ملايين الأطنان من القمح إلى أرجاء العالم، ومنها دول في المنطقة. وأبرز آثار هذه الحرب، تقع في الجانب الاقتصادي في ظل اعتماد كثير من الدول على القمح والصناعات الروسية والأوكرانية.
فحسب تقرير لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الدولية بواشنطن، فإن العملية الروسية في أوكرانيا، ستفاقم انعدام الأمن الغذائي في بعض دول المنطقة في حال استمرت المواجهة. فمصر مثلاً، تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، ويأتي عديد من وارداتها من منطقة البحر الأسود، وعلى الرغم من أنها تمتلك مخزوناً من “الذهب الأصفر” يكفيها أشهر عدة، فإنها أمام تحد حقيقي للبحث عن مصدّرين للحفاظ على اكتفائها من الحبوب، وبالفعل بدأت إعداد خطط لذلك منها تكثيف الإنتاج المحلي، بينما تواجه تونس أيضاً المعضلة ذاتها التي تمر بها مصر.
إلى جانب أزمة الغذاء المتوقعة، ثمة استقطابات سياسية؛ إذ إن الغرب يحاول حشد عدد من الدول إلى جانبه في مواجهة روسيا، سياسياً واقتصادياً، في حين أن العديد من الدول توجهها شرقي، وهي معرضة بشدة لمزيد من الحصار الغربي عليها.
لذا فإن المنطقة بحاجة في الوقت الراهن، إلى معرفة أين تكمن مصالحها، والبحث عنها، لا أن تكون جسراً لتنفيذ مصالح وأجندات الآخرين، فشعوبها لا بد أن تكون في مقدمة الاهتمامات، وهذا الأمر أدركته العديد من الدول العربية، حيث وسعّت علاقاتها مع جميع الأقطاب، ولم تضع جميع مقدّراتها في سلة واحدة، فأينما كمنت مصالحها كانت هناك، وهذا النهج لا بد أن يعمم في المنطقة كي تخرج من الأزمات الحالية واللاحقة بأقل خسارة ممكنة.
المنطقة تمتلك المقومات، وهي قادرة على أن تأكل مما تزرع وتحصد، كي لا تكون رهينة بيد قوى خارجية تتحكم في لقمة عيشها، حيث تملك أراضي خصبة، لو امتلكت الإرادة لكفت العالم العربي ذاتياً، وبها مقومات اقتصادية كبيرة، ومجتمعات متعطشة للعمل والإنتاج. فالحكومات أمام اختبار حقيقي، كي ترفع من درجة التعاون، ثم البدء في اعتماد خطط تقلل من الاعتماد على الخارج، بطعامها وسياساتها وتوجهاتها، وإلا فإن المنطقة ستكتوي بآثار الحرب الروسية الأوكرانية التي لا ناقة لها فيها ولا جمل.