بقلم: هادي جان بوشعيا – النهار العربي
الشرق اليوم – “كما تعاقبوننا نعاقبكم!”… هذا هو مضمون الرسالة التي وجهتها روسيا إلى الغرب مع إقرارها بيع الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي بالعملة الروسية “الروبل”. قرارٌ كان كفيلاً بتحسين سعر صرف العملة الروسية بأكثر من عشر نقاط خلال ساعات فقط على إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخاذه.
ليس هذا وحسب، بل أدى الأمر كذلك إلى تراجع كل من قيمة الدولار الأميركي واليورو بعد المكاسب الواضحة التي حققتهما العملتان في خلال شهر واحد من الحرب الروسية على أوكرانيا، وما تبع ذلك من عقوبات غربية قاسية وشاملة ضد موسكو أدت إلى إلحاق خسائر فادحة جديدة بالروبل الذي كان يواصل مسلسل انحداره الطويل والمستمر منذ العام 2008، وهي اللحظة التي واجهت فيها روسيا أولى العقوبات على خلفية اقتطاعها إقليمي أوسيتيا وأبخازيا من دولة جورجيا.
قبل ذلك الحين كان الدولار يساوي عشرة روبلات ليحلّ عام 2022 وقد تجاوز سعر صرفه التسعين روبلاً؛ إلا أن ذلك لم يَحُلْ دون مضي بوتين قدماً في “مغامراته الجريئة” والمجنونة، إذا صح التعبير، خارج الحدود ليحتل جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، وأرسل قواته إلى سوريا بعد ذلك بعام واحد فقط، ومن ثم توجه نحو ليبيا وعرّج على كلّ من كازاخستان وبيلاروسيا، وآخر محطاته توقفت عند “الحرب الخاصة” حسبما وصفها، ليغزو أوكرانيا.
في المقابل، لم تعلّق الحكومات الغربية، حتى لحظة صوغ هذا المقال، على القرار الروسي، لكن الدائرين في فلكها من المحللين والمراقبين قللوا من شأن هذه الخطوة مذكّرين بقاعدة اقتصادية متعارف عليها وهي أن ارتفاع سعر صرف أي عملة لا يكون بالضرورة مفيداً لها. هذه القاعدة صحيحة لكن ليس دائماً حسبما يقول متخصصون في الاقتصاد، مشيرين هنا إلى أن روسيا لا تُعدّ من الدول المصدّرة لحزمة واسعة ومتنوعة من المواد، بل تعتمد في دخلها القومي، بشكل أساسي، على صادرات النفط والغاز.
وبناء على ما تقدم، فإن إجبار روسيا، الدول المتعاملة باليورو وسواها من الحكومات التي وصفتها بالمعادية على التعامل بالروبل من أجل شراء هاتين المادتين سيفرض، حكماً، مزيداً من الطلب على العملة الروسية، وبالتالي يحصل القيصر الروسي على مكاسب اقتصادية غير مسبوقة.
لكن إلى أي حدّ يمكن لموسكو تطبيق هذا القرار، فضلاً عن الاستمرار فيه؟ وألا يُعدّ فرض التعامل بالروبل على دول من دون غيرها إقراراً روسياً بأن هذه الخطوة لا تنطوي على آثار جانبية؟
مما لا شك فيه، أن في علم الاقتصاد يجب أخذ هذه الاعتبارات وسواها بالحسبان، لكن البحثَ عن استعادة الأمجاد وفرض الذات وتحقيق الطموحات تضحي الدول بالكثير بغية الوصول إلى ما تبتغيه.
ثم ألم يَقُل الأقدمون إن المال الذي لا يخدم صاحبه يذلّه؟
ولعلّ السؤال الأوسع هنا، هل يجني بوتين، اليوم، ثمن تضحياته بالاقتصاد الروسي الذي أذلّه من قبل، أم أنه في الواقع يلعب آخر أوراقه وفق مبدأ عليّ وعلى أعدائي؟