بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – تطالب روسيا بتقاضي ثمن النفط والغاز الروسيين بالروبل. ومعلوم أن هذه الخطوة تأتي رداً على العقوبات الأميركية والأوروبية التي فرضت على موسكو عقب دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) الماضي، والتي أدت إلى هبوط قيمة العملة الوطنية الروسية.
الجواب الأوروبي على الطلب الروسي كان سلبياً، لأن العقود الموقعة بين الشركات الروسية ونظيراتها الأوروبية، تنص على الدفع بالدولار أو اليورو. وأعلنت ألمانيا التي تعتبر من أكثر الدول الأوروبية اعتماداً على الطاقة الروسية، إنها لن تدفع بالروبل، وتالياً فإنها تدرس كل السيناريوات التي يمكن أن تترتب على الإجراء الروسي، بما في ذلك احتمال وقف موسكو صادراتها النفطية إلى ألمانيا.
الخطوة الروسية، لم تترك خياراً أمام ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، سوى البحث عن البدائل للطاقة الروسية. وقد بدأت هذه الدول فعلاً منذ الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية في الخريف الماضي، البحث عن مصادر أخرى للطاقة الروسية، وهي تجري مشاورات حثيثة مع دول الخليج العربي ودول أخرى مصدرة للنفط كي تعوض الغاز والنفط الروسيين. وبعد الجولة الأوروبية للرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي، وعدت الولايات المتحدة بأن تحل محل روسيا في توريد الغاز إلى أوروبا وأن تلبي كل الطلبات الأوروبية في هذا المجال من الآن وحتى عام 2030.
كما أن الدول الأخرى المنتجة للغاز مثل قطر، وعدت هي الأخرى بزيادة الإنتاج، وثمة مباحثات جارية مع الجزائر وأذربيجان في هذا الخصوص. أما بريطانيا والنرويج، فإن الكميات التي تنتجانها من بحر الشمال، بالكاد تكفي الاستهلاك المحلي للبلدين.
ومع ذلك، ثمة مشكلة تواجه الدول الأوروبية في حال توقفت عنها إمدادات النفط الروسية. إذ إن هذه الدول تستورد 180 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً. ولن يكون في مقدور كل الدول الأخرى المنتجة للغاز بما فيها الولايات المتحدة وقطر وأذربيجان ونيجيريا وحتى إيران في حال رفع العقوبات الأميركية عنها، تعويض الكميات المستوردة من روسيا.
إلى ذلك، تبحث الدول الأوروبية في العودة إلى اعتماد الفحم الحجري في توليد الكهرباء. لكن ذلك لن ينسجم مع سياسة الوصول إلى طاقة نظيفة بحلول عام 2050. كما أن الاعتماد على المفاعلات النووية يعتبر جزءاً من السياسات التي ستطبقها دول أوروبية لتعويض النقص في الغاز الروسي.
ولا تنتهي المشكلة هنا. فالمطالبة الروسية باعتماد الروبل في التعاملات التجارية مع الخارج، من شأنها إضعاف قيمة الدولار كعملة متداولة في التجارة الدولية. وإذا أضيف إلى ذلك حديث عن توجه الصين والهند إلى اعتماد عملتيهما الوطنيتين في التعاملات التجارية بينهما، فإن من شأن ذلك توجيه ضربة قوية للعملة الأميركية التي تعتبر في موازاة القوة العسكرية للولايات المتحدة وربما أكثر تأثيراً.
وقد تنبهت الدول الكبرى بعد العقوبات الغربية غير المسبوقة على روسيا والتي حجزت احتياطاتها من الدولارات واليورو في الخارج والتي تقدر بمئات المليارات، إلى أن التعامل بالدولار لن يكون آمناً بالنسبة إلى هذه الدول، ويتعين على القوى الاقتصادية الكبرى في العالم مثل الصين والهند، اعتماد العملات الوطنية في المبادلات التجارية.
يقودنا هذا إلى استنتاج أن الحرب الروسية-الأوكرانية في طريقها إلى فرض واقع جديد في العلاقات الدولية، بحيث صارت دول كثيرة تبحث عن حماية اقتصادها من الظروف الخارجية التي يمكن أن تطرأ عليه. والمثال على ذلك، أن شركات صينية وهندية وبرازيلية، وحتى يابانية وأوروبية، تضررت من العقوبات الشاملة التي فرضتها أميركا وأوروبا على روسيا.
هل تتقبل أميركا خطوات تؤدي إلى إضعاف مكانة الدولار كعملة صعبة تتسيد على باقي عملات العالم؟ ذلك ليس بالأمر السهل، وربما تكون له تداعيات تفوق تلك الناجمة عن الحروب في الميدان.