بقلم: د. ناصر زيدان – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لموقف الصين من الحرب الدائرة في أوكرانيا أهمية استثنائية، والفرقاء المعنيون بالصراع يتطلعون إلى هذا الموقف بعناية كبيرة، نظراً لحجم تأثير الصين في تداعيات الأحداث من الجوانب الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية. فبكين عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ولها حق «الفيتو» على قراراته، كما أنها الشريك الاقتصادي الأساسي لموسكو، ومنفذ أساسي يمكن استخدامه لتخفيف أضرار العقوبات الغربية عليها، وقدراتها العسكرية كبيرة جداً، ومساعدتها لروسيا في هذا السياق قد يقلب المعادلة رأساً على عقب.
أمسكت الصين العصا من منتصفها عند بدء الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية، وقد أعلنت عن تفهمها للهواجس الأمنية لروسيا، والتي دفعتها لاستخدام القوة، وحمّلت بكين حلف شمالي الأطلسي المسؤولية الكبرى عن وقوع النزاع، لأنه وافق على البحث في طلب عضوية كييف، بينما كان عليه رفض هذا الطلب مباشرة، لأن دخول أوكرانيا في «الناتو» يشكل تهديداً واضحاً لروسيا، ويكرر تجربة جورجيا عام 2008 عندما دخلتها روسيا عسكرياً لمنع تبليسي من الانضمام للحلف.
وفي الوقت ذاته، رفضت الصين احتلال أراضي دول أخرى، وتمسكت بمبدأ سيادة الدول، وبمبادئ القانون الدولي الذي يعتمد على حل النزاعات بالطرق السلمية، وهي لم تصوّت إلى جانب روسيا في مجلس الأمن الدولي، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنها لم تقف ضدها، بل امتنعت عن التصويت.
وراء الموقف الصيني اعتبارات استراتيجية حساسة تفرضها مصالح الدولة العليا، بصرف النظر عن المواقف السياسية، وهذه المواقف تميل نحو روسيا عند أغلبية القيادات الصينية، وهؤلاء يعرفون أن خسارة روسيا في المواجهة مع الغرب، سيجعل الصين الهدف التالي، وربما يمهّد إضعاف روسيا لحصار الصين في المستقبل، لأن النمو الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري الصيني، يُشكل خطراً أشدّ إيلاماً على الولايات المتحدة من المخاطر التي تسببها روسيا، لكن المصالح التجارية الصينية مع الدول الغربية وأوكرانيا أكثر أهمية، وأكبر حجماً من مصالحها مع روسيا، والوقوف العلني مع موسكو، ومساندتها عسكرياً فيها مغامرة صينية كبرى، وستؤدي إلى خسارة تجارية كبيرة تقوِّض النمو الصيني. وقد هدد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بفرض عقوبات قاسية إذا قدّمت الصين مساعدة عسكرية لروسيا.
وروسيا والصين ترتبطان بمعاهدة صداقة منذ 20 عاماً، وهناك تعاون استراتيجي بين الدولتين، أعادت التأكيد عليه القمة التي عقدت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني جينبينغ، في بكين في 4 فبراير/ شباط الماضي، لكنهما لا يرتبطان بحلف عسكري يشبه ما يربط دول حلف شمالي الأطلسي، وبالتالي، فإن الصين غير ملزمة بالوقوف عسكرياً إلى جانب روسيا، وهي تتجنب اتخاذ هذا الموقف لأسباب موضوعية، ولأن بكين لا تريد أن يتناقض دورها مع المبادئ التي تعتمدها في سياستها الخارجية، ولا مع ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على احترام استقلال الدول وحفظ السلام العالمي.
ومن المؤكد أن الصين لا تنزعج من نجاح روسيا في أوكرانيا، ما يعطيها مبرراً لاستعادة تايوان في المستقبل. وعدد من المسؤولين الصينيين – بمن فيهم وزير الخارجية وانغ بي إن – يرغبون في مساعدة روسيا، ولكن يفضلون التزام توصية الرئيس جينبينغ التي تعتمد على إخفاء المشاعر لمصلحة حفظ مصالح البلاد، لأن التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة يقارب 600 مليار دولار، ومع الاتحاد الأوروبي بلغ 585 ملياراً عام 2021، والصين تُعتبر الشريك التجاري الأول لأوكرانيا، بينما التبادل التجاري بين الصين وروسيا لا يتجاوز 140 مليار دولار سنوياً، ومن البديهي ألا تفرّط بكين في حجم استفادتها من المعسكر الذي يقف ضد روسيا في الحرب الأوكرانية، طالما بقيت مساحة الحرب في الحدود الحالية.
لكن إذا ما تطورت العمليات العسكرية، وتدخل حلف «الناتو» بشكل مباشر في الحرب، سيكون للصين موقف آخر بطبيعة الحال، لأن ذلك سيُنتِج خارطة تحالفات دولية جديدة، وعندها قد يتوسع التعاون بين الصين وروسيا إلى المجالات العسكرية، لأن المصالح التجارية للصين ستكون مُهددة حكماً إذا ما اختلّ التوازن الدولي لمصلحة الغرب.