كلمة صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – كل الحروب والأزمات الكبرى انتهت إلى مفاوضات ثم إلى اتفاق حددت معالمه موازين القوى على الأرض، والحرب الأوكرانية الحالية لن تختلف عن هذا المسار، وإن طال أمدها.
بعد سلسلة مفاوضات على الحدود البيلاروسية بين روسيا وأوكرانيا تركزت على القضايا الإنسانية وفتح ممرات للاجئين، تستضيف إسطنبول جولة جديدة من المفاوضات تبدو مختلفة من حيث الشكل والمضمون. فهي تجري برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي استقبل الوفدين في قصر «دولما بهتشة» الرئاسي، وقبلها أجرى اتصالين بالرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فلودومير زيلينسكي، قال بعدها إن الأمور «تسير في اتجاه إيجابي».
وفي كلمته أمام الوفدين دعا أردوغان إلى «وقف المأساة»، وقال «لقد حان الوقت لأن تأتي المفاوضات الروسية – الأوكرانية بنتيجة»، وأشار إلى أن لكل من روسيا وأوكرانيا «مخاوف مشروعة» دفعت النزاع بين البلدين إلى الحرب. ولم يستبعد الرئيس التركي لقاء الرئيسين الروسي والأوكراني «إذا حققت المفاوضات الحالية تقدماً».
رغم عدم بروز مؤشرات حول نتائج هذه المفاوضات، إلا أن مواقف البلدين تبدو إيجابية. فالكرملين أعلن على لسان المتحدث باسمه ديميتري بيسكوف أن قرار بدء المفاوضات وجهاً لوجه «مهم بحد ذاته». أضاف «في الوقت الحالي نلتزم بسياستنا المتمثلة في عدم الكشف عن أية تفاصيل حول المفاوضات، لأننا نعتقد أن كشف التفاصيل سيضر بعملية التفاوض».
من جهته قال ميخائيلو بودولياك المستشار السياسي للرئيس الأوكراني إن الوفود «ستبحث البنود الأساسية لعملية التفاوض.. تعمل الوفود بشكل متوازٍ على مناقشة مجموعة كاملة من القضايا الخلافية».
والقضايا الخلافية لم تعد سراً، فقد أعلنت روسيا مطالبها المتمثلة بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، وإعلان حيادها، وتسوية قضية إقليم دونباس وفقاً لاتفاقية مينسك. أما القضايا الخلافية الأخرى بشأن تمدد حلف الأطلسي شرقاً وعدم نشر أسلحة هجومية في دول أوروبا الشرقية تحقيقاً للأمن المتوازن في أوروبا، فهذه قضايا لا تخص أوكرانيا، إنما حلف الأطلسي والولايات المتحدة.
لقد بدا الموقف الأوكراني مؤخراً أكثر قبولاً بتسوية مع روسيا تلبية لشروطها، مما قد يسهل المفاوضات وبالتالي التوصل إلى اتفاق. فقد أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي استعداد بلاده «لدراسة إعلان حيادها بعمق»، وطرح ذلك في استفتاء شعبي، كما ألمح إلى أن «التسوية ممكنة بشأن قضية دونباس المعقدة»، وهي المنطقة المتنازع عليها والتي اعترفت موسكو باستقلالها مؤخراً. وكان قبل ذلك قد أعلن بأن بلاده لا تفكر في الانضمام إلى حلف الأطلسي.
هذه المواقف المستجدة قد تشكل أساساً منطقياً للمفاوضات والتوصل إلى اتفاق إذا لم تطرأ تطورات عسكرية وسياسية، خصوصاً في حال تعرضت أوكرانيا إلى ضغوط أو إغراءات غربية وأمريكية جعلتها تعدل عن مواقفها.
مفاوضات إسطنبول فرصة جديدة لاتفاق من الواضح أن تركيا تصرّ على تحقيقه باعتبارها الجارة الأقرب إلى الطرفين، والأكثر تضرراً من استمرار الحرب.