بقلم: كريس بلاكْهَيرْست – إندبندنت عربية
الشرق اليوم – نظر إليّ الأوليغارشي نظرةً غاضبةً. وفي إشارة إلى قصة وصفية في واحدة من أبرز الصحف على مستوى العالم قال، “ذكرت إنني (صديق مقرب من فلاديمير بوتين)”. لقد التقينا [أنا والأوليغارشي] في حفلة، وقلت له إنني أكتب لصحيفة في لندن، وثارت ثائرته.
وإذ حدث ذلك، لم تكن القطعة عنه، بل عن شخص آخر، لكن في منتصف الألفي كلمة، جاءت تلك الإشارة العابرة إلى الصداقة المفترضة بين بوتين وبينه. ولقد أصر الأوليغارشي على أن الكاتب مخطئ، وأنه لم يكن في الدائرة الداخلية للرئيس الروسي.
صحيح أنه استفاد من النظام الروسي باعتباره أحد أقطاب التعدين. في المقابل، أصر الأوليغارشي على أن ذلك شكل كل المدى الذي بلغته تلك العلاقة، وأنه ليس بأي حال من الأحوال صديقاً لبوتين. وعلى الرغم من ذكر اسمه في شكل عرضي، لم يستطع ترك الأمر يمر، فقد تلقى نصيحة مفادها بأن هذا الوصف سيحال إلى انتباه المسؤولين عن العقوبات، بالتالي يتوجب عليه أن يعمل بطريقة ما لتصحيح الوصف وإزالته. والأفضل من ذلك حتى، يجب على الصحيفة الاعتذار عن خطئها.
لكن التعامل مع أي شيء يتعلق بروسيا البوتينية وبلاط الحاكم ليس بالأمر السهل. فالافتراض هنا هو أن شخصاً بهذا الثراء ويتمتع بهذه العلاقات الجيدة، من المحتم أن يكون صديقاً حميماً لبوتين.
وكانت هناك صعوبة أخرى. إذا أفاد المرء إنه ليس رفيقاً لبوتين في الواقع، كيف يبدو ذلك في روسيا؟ هل يترك مسافة بينه وبين الرئيس؟ هل يعني، لا قدر الله، ضمناً أنه عدو له؟
مرحباً بكم في العالم المبهم للحظر، حيث يمكن أن يتسبب الإدراج على قائمة الحظر بضرر كبير، ليس للشخص وحده، بل أيضاً لعائلته وشركائه.
في أعقاب غزو روسيا أوكرانيا، بدا الأمر كأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تنبهت إلى ذلك السلاح [العقوبات] الموضوع تحت تصرفها. فبعد أن عقدت العزم على عدم التورط في شكل مباشر في النزاع، أصبحت تستخدم العقوبات بوصفها السلاح الرئيس ضد بوتين.
ليست إجراءات كهذه جديدة بطبيعة الحال. لقد طبقت على مدى العقود، ربما على وجه الخصوص مع حظر الأمم المتحدة تجارة جنوب أفريقيا خلال سنوات الفصل العنصري. وكثيراً ما يستشهد بالعزلة الاقتصادية التي عانت منها جنوب أفريقيا باعتبارها السبب الذي جعل حكومتها تنهار في نهاية المطاف، فتعمل على إنهاء التمييز. والواقع أن الضغوط الداخلية المتزايدة من أجل التغيير هي التي دفعت إلى ذلك التخفيف.
لكن، منذ ذلك الوقت ظلت العقوبات تشكل الهراوة المثالية لضرب بلد مارق. وفي كثير من الأحيان، جاءت النتائج مختلطة، فقد كانت العقوبات تعتبر أداة فظة، أداة تستخدم لمعاقبة المواطنين جميعاً في شكل غير منصف. وفي الآونة الأخيرة طبقت ضد أشخاص لهم أسماء محددة، وجهات فردية.
ومع تزايد الترابط المالي للعالم، ومع نمو العولمة، أصبحت العقوبات عاملاً مختاراً.
وقبل أوكرانيا مباشرة كانت هناك ميانمار. لا يزال الوضع هناك يتكشف باستمرار، مع تعرض المجتمع الدولي إلى ضغوط من أجل فرض مزيد من العقوبات على المجلس العسكري الحاكم. وفي استشراف للمستقبل، ما هي الاستجابة الدولية إذا غزت الصين تايوان غداً؟ ليس التدخل العسكري بالتأكيد، إذ يبدو ألا جدوى كبيرة من ذلك حين يتعلق الأمر بأقوى قوة مسلحة في الكوكب وإذ ستثبت المواجهة أنها بالغة الخطورة، فهي سترفع درجة الحرارة إلى مستوى مرعب.
كلا، ستتمثل الاستجابة في استخدام “القوة الناعمة” من خلال العقوبات المستهدفة، وتجميد الأصول، وسحب الشركات المتعددة الجنسيات والمصارف والعلامات التجارية الاستهلاكية كلها أعمالها، أشبه بما شهدناه في ما يخص أوكرانيا، هذا كله جيد، لكن إلى أي مدى قد تكون عملية العقوبات صارمة، وإلى أي مدى ستجرى بحوث قبل إدراج شخص في القائمة السوداء، وإلى أي مدى قد تكون المعلومات المعتمد عليها صحيحة؟
في ذلك الصدد، يذكر أن موظفي الخدمة المدنية المعتادين على العمل الجاد في مجال معزول نسبياً، بل في حالة المملكة المتحدة، إنهم يعملون في مكتب تنفيذ العقوبات المالية داخل وزارة المالية، ويعملون في شكل وثيق مع زملائهم في وزارة الخارجية، وأجهزة الاستخبارات، و”بنك إنجلترا”، وقد باتوا يجدون أنفسهم الآن مدفوعين فعلياً إلى الخط الأمامي.
في ذلك السياق، ذكر سو – مي ري، الشريكة في شركة “أرنولد أند بورتر” القانونية الدولية، “هذا يختلف تماماً عن العقوبات السابقة الأخرى على مدى العقود الماضية لجهة حدّتها، وتنفيذها بالتزامن، لا سيما مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكيانات أخرى متعددة ذات سيادة، والتنسيق في فرض قيود منسقة على التصدير”.
وهذا يعني أن فارق العقوبات في المكاتب الحكومية في مختلف أنحاء العالم يحتاج إلى تعزيز مُلحّ. ففي مواجهة تلك العقوبات، ثمة محامون ومحاسبون مخضرمون وأذكياء مستعدون لاستغلال أشكال الثغرات والهياكل القانونية كلها لمصلحة عملائهم. ويؤدي ذلك إلى انخفاض عدد إجراءات الإنفاذ على نحو مؤسف. ففي ما يخص المملكة المتحدة، على الرغم وجود 21 نظاماً خاضعاً للعقوبات، فضلاً عن فئات منفصلة تغطي مجموعة متنوعة من الأنشطة المحظورة من الإرهاب إلى تطوير الأسلحة الكيماوية، وتضم المئات من الناس والمنظمات، لم يشمل التطبيق سوى ست حالات منذ 2019. وفي الولايات المتحدة، شمل التطبيق 20 حالة في 2021 وحده.
لا يقتصر التحسين المطلوب على جانب الملاحقة وحده، إذ يتعين علينا أن نستثمر في بحوث ذات جودة أعلى، مع إرضاء أنفسنا بأننا نستهدف الشخص المناسب، وأنه يستحق حقاً الإدراج على القائمة. ثمة إعلان يتعلق بالمصلحة الخاصة. قبل خمس سنوات، أعطيت استشارة موجز إلى ملياردير روسي فرضت الآن عقوبات عليه، في ذلك الوقت تحدثنا عن صورته الشخصية وكيف ركزت وسائل الإعلام بالكامل على أسلوب حياته المُترف، ولم يؤخذ على محمل الجد كونه رجل أعمال. وفي ذلك الوقت، لم تذكر قط علاقته ببوتين واحتمال فرض عقوبات [بسببها].
ومن بين المجالات التي ينبغي التوقف عندها، الأثر الذي تمارسه منظمات الحملات التي لا تتوخى الربح. إنها تضم موظفين ناشطين شجعان ومبدئيين. كل الاحترام لها، لكن يحتاج عملها أيضاً إلى تحقق، ولا ينبغي أن يعامل كإنجيل [بمعنى أن يكون خارج المساءلة]. ففي الساحات الغامضة التي تعمل فيها تلك الشركات، قد يظهر ميل إلى الاستغلال والأخطاء، تماماً على غرار وصف صحافي عفوياً أحد أقطاب المال في روسيا بأنه “صديق مقرب من فلاديمير بوتين”. ولا بد من أن تكون منفتحة في شكل مستمر أيضاً بشأن تمويلها وحوكمتها وأهدافها أيضاً، إذ تشغل حيزاً غير واضح، وتقدر على تمد بالمواد أولئك المسؤولين الممتنين ممن يعانون انخفاض التمويل. ويصح الأمر نفسه على وسائل الإعلام. وينبغي للحكومات أن تنظر خلف كومة القصاصات التي تتلقاها. يتوجب عليها السير بالتدقيق الواجب الخاصة بها، قبل اتخاذ خطوة صارمة.
من الأهمية بمكان إجراء بحوث جيدة في شأن عقوباتنا، وأن يكون تركيزها وأثرها مناسبين. فبالنسبة إلى أولئك الذين تفرض عليهم عقوبات خاطئة، يعني هذا تعطيلاً كبيراً لحياتهم الشخصية والتجارية، وعاراً علنياً، وعملية استئناف كثيراً ما تكون مطولة ومكلفة، إذ لا تتيح لهم عملية فرض العقوبات الفرصة في شرح شؤونهم قبل إدراجهم في القائمة، وينبغي لنا أن ننظر وجوب مراجعتنا ذلك.
لقد قال ماثيو سييد ذلك ببلاغة في “صنداي تايمز”، حينما جادل بأنه لا ينبغي لنا أن نتخلى عن حكم القانون الثمين في سياق العقوبات، وأن رومان أبراموفيتش، مثلاً، لا يزال قادراً على الوصول إلى محاكم المملكة المتحدة للطعن في عقوباته.
ونحن نكتشف أداة جديدة في ترسانتنا، يتعين علينا أن نحسن أداءنا وفق ذلك.