الرئيسية / مقالات رأي / أوكرانيا.. قراءة في الاستراتيجيات

أوكرانيا.. قراءة في الاستراتيجيات

بقلم: د. يوسف مكي – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – تقترب الحرب الروسية على أوكرانيا من نهاية أسبوعها الخامس. اكتسح الجيش الروسي مساحات واسعة من أوكرانيا، لعل الأبرز بينها التقدم الواسع للانفصاليين في إقليم دونباس، واحتلال روسيا لمدينتي خرسون وماريوبل، وعزل أوكرانيا عن البحر الأسود، وبحر آزوف؛ حيث لم يتبق على الجيش الروسي، ليحكم قبضته على السواحل الأوكرانية، سوى مدينة أوديسا التي تتعرض لهجمات يومية عنيفة من قبل القوات الروسية، لكن ذلك لا يعني أن روسيا لم تقدم كلفاً باهظة لهذا التقدم.

تستند الاستراتيجية العسكرية الروسية الراهنة، على استكمال سلخ إقليم دونباس بالكامل عن الأراضي الأوكرانية. بالإضافة إلى ذلك احتلال كامل السواحل الأوكرانية، وحرمان أوكرانيا من الوصول إلى البحر، بما يعني حرمانها من التجارة الدولية عبر البحر، وإغلاق أهم خطوط اتصالها بالعالم.

المقاومة الأوكرانية الضارية للغزو الروسي، حالت دون زخم الهجوم على المدن الرئيسية، وفرضت على الجيش الروسي القيام بتراجعات تكتيكية، والمزاوجة بين حرب الاستنزاف، وتوجيه ضربات صاروخية من أسلحة متقدمة، للمواقع الاستراتيجية. وفي ذلك الوقت، اعتماد سياسة القضم التدريجي للأراضي الأوكرانية، بدلاً عن التركيز على احتلال العاصمة كييف، التي يجري تدمير مؤسساتها الاستراتيجية الآن بشكل منهجي.

بالمقابل، تعتمد الاستراتيجية الأوكرانية، على إطالة أمد الحرب، وتكبيد الجيش الروسي، أكبر الخسائر، والعمل وإن بشكل محدود على استعادة البلدات التي خسرتها، والحيلولة دون تمكين الجيش الروسي، من التمدد. لكن ذلك إن تحقق سيكون لأمد قصير، لأن القوات الروسية ستعاود مجدداً فرض سيطرتها عليها.

ومن جهة أخرى، يدرك الغرب، أن أوكرانيا، لا قبل لها بمواجهة الهجوم الروسي، إلى ما لا نهاية، بسبب عدم تكافؤ القوة، بين الجيشين المتحاربين. ولكن ذلك، لا يمنع الغرب، من الانخراط المباشر في الصراع الذي تدور رحاه الآن، بهدف استنزاف القوة العسكرية والاقتصادية لروسيا.

يلجأ الغرب، في هذا السياق، إلى مضاعفة العقوبات الاقتصادية بحق روسيا، وتشكيل تكتل دولي قوي مناهض لسياساتها تجاه أوكرانيا، على أمل تقليص حضورها السياسي الدولي، كقوة كبرى.

الإدارة الأمريكية، التي شجعت أوكرانيا، على عدم الخضوع للمطالب الروسية، المتعلقة بموضوع حيادها، وعدم انضمامها لحلف الناتو، والاعتراف بالحكم الذاتي لإقليم دونباس، اعتبرت الهجوم الروسي، على أوكرانيا، فرصة لتأكيد حضورها الدولي، واستعادة قبضتها على القارة الأوروبية، ستكتشف لاحقاً أنها أسهمت، من خلال هذه الاستراتيجية، في التسريع بانبثاق نظام دولي جديد، لن تكون عماده الأوحد، وأن قبضتها الراهنة على القارة الأوروبية ستتلاشى سريعاً، بفعل نتائج هذه الحرب.

فالعقوبات التي فرضتها، وإن كان تأثيرها الأكبر، على روسيا الاتحادية، فإنها لم تطلها وحدها؛ بل إنها عصفت بالوضع الاقتصادي العالمي، وتسببت بأزمة الطاقة الراهنة، وكانت أوروبا من أول ضحاياها.

وذلك ما بات عدد من المسؤولين الأوروبيين الكبار يتحدثون عنه جهاراً. والوضع الاقتصادي في هذه الدول سيكون أسوأ كثيراً بالمستقبل القريب. إن ذلك يشي بأن التحالف الغربي الراهن، تجاه الأزمة الراهنة، لن يستمر طويلاً، وسينفرط عقده، عند نهاية هذه الحرب.

فالفرنسيون والألمان، وهما القوتان الاقتصاديتان الأكبر، في القارة الأوروبية، باتا يتذمران، من تأثير الحصار الاقتصادي الذي فرضته الإدارة الأمريكية على روسيا. وليس ببعيد، أن يترجم هذا التذمر ذاته، في ازدياد النزعات الاستقلالية لدى أوروبا الغربية، وبشكل خاص لدى فرنسا وألمانيا، وبذلك ينقلب السحر على الساحر.

روسيا ستخرج من الحرب منتصرة، لكنها ستكون مثقلة بأزمات اقتصادية حادة، وستعول كثيراً على دعم صيني وهندي، للمساعدة على خروجها من أزمتها الاقتصادية. والبلدان لن يترددا في تقديم ذلك، وبشكل خاص، الصين، التي ستصبح القوة الأولى آسيوياً، ليس على صعيد الاقتصاد فقط؛ بل وعلى الصعيد السياسي.

أحداث هذا الأسبوع، تشي بأن إقليم دونباس، سيجري ضمه قريباً لروسيا، وإعلان مجلس الدوما الروسي، عن أن الوقت الراهن غير مناسب لضم الإقليم، لا يعني رفضاً للضم؛ بل تأجيلاً له. وسيضيف ذلك لروسيا عمقاً استراتيجياً وقوة اقتصادية. كما أن هيمنتها على السواحل الأوكرانية، سيقربها أكثر من قلب العالم، عبر البحر الأسود. وقد تجد الحكومة الأوكرانية، التي ستبرز بعد نهاية الحرب، والمتوقع أن تكون موالية لروسيا، نفسها مضطرة لتوقيع اتفاقية طويلة الأمد، مع روسيا تتيح لها استخدام الموانئ الواقعة على البحر الأسود وبحر آزوف، لتأمين نقل تجارتها الخارجية بما يضيف قوة أخرى لروسيا الاتحادية.

الأيام القليلة القادمة، ستكون حبلى بأحداث متسارعة، وليس علينا سوى الانتظار.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …