الشرق اليوم- بينما تحوم السفن الحربية الروسية حول مدينة “أوديسا” ويتخلى المزارعون الأوكرانيون عن حقولهم للقتال على الجبهة، تفتقر أسواق العالم مجدداً لمحاصيل الحبوب الآتية من البحر الأسود، فقد ارتفعت الأسعار بوتيرة أسرع مما حصل في عام 2011، إذ كان عام 2008 قد شهد هذا المستوى من الارتفاع، وتعلقت المشكلة حينها بأسعار النفط، وتشهد أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً اليوم أيضاً، ويتوقع سكوت إيروين، خبير في الاقتصاد الزراعي في جامعة “إلينوي”، أن يشهد العالم قريباً أزمة غذائية “غير مسبوقة” منذ أربعين سنة.
تؤمّن روسيا وأوكرانيا أغلبية كميات القمح التي تصل إلى موائد الشرق الأوسط، ويكون معظمها على شكل طحين وخبز ومعكرونة يتم تصنيعها في تركيا، ويقول كريس باريت، خبير في الاقتصاد الزراعي في جامعة “كورنيل” في “إيثاكا”، نيويورك: “بدأت الدول التي تستورد كمية كبيرة من الحبوب من روسيا وأوكرانيا تتضرر سريعاً، لقد تم اختراق عقود هذه البلدان، وهي لا تتلقى الشحنات التي تنتظرها، وبدأت تتخبط الآن لتأمين الحبوب من مصادر أخرى”.
يتكل لبنان مثلاً على روسيا وأوكرانيا لتلقي 96% من قمحه، لذا دعا الأمم المتحدة إلى مساعدته لإيجاد إمدادات بديلة، حيث يحارب هذا البلد اليوم تداعيات أزمته الاقتصادية المتفاقمة التي رفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 628% خلال سنتين، فأصبحت 77% من الأُسَر عاجزة عن تأمين أبسط السلع الغذائية.
تقول ريم ندى، مديرة الاتصالات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة: “إذا طالت مدة هذا الصراع، أو إذا استمر ستة أشهر فقط، فلا يمكن تصوّر تداعياته المحتملة، وقد بدأت كلفة المواد الغذائية ترتفع بكل وضوح ويجب أن يدفع أحد ثمنها، سواء كان الشعب نفسه أو الحكومات عن طريق الإعانات”. غالباً ما تكون عقود شراء القمح والذرة بالدولار أو اليورو، مما يعني أنّ الحكومات التي تحاول الحفاظ على أسعار متدنية قد تستنزف احتياطيات العملات الأجنبية سريعاً، مما يؤدي إلى نشوء أزمة في ميزان المدفوعات، وهذا الوضع قد يُجبِر الحكومات على اتخاذ خطوة شائكة سياسياً مثل رفع أسعار المواد الغذائية مباشرةً. أدت أزمة العملة القائمة منذ سنوات في لبنان إلى استنزاف احتياطياته الأجنبية، وهذا ما دفع بوزير المال اللبناني إلى التحذير هذا الشهر من عجز مصرف لبنان عن متابعة دعم سعر الخبز، وفي مصر، تأمل الحكومة إبطاء الحاجة إلى رفع الأسعار عبر تعزيز الإنتاج المحلي، كما حصل في عام 2010، وهي تُهدد المزارعين بالسجن إذا لم يؤمّنوا الكميات المطلوبة منهم.
يقول الباحث في منظمة “تشاتام هاوس”، تيم بنتون: “نحن أمام حكومات غير مستقرة أصلاً وثمة حركات تمرد محلية في عدد كبير من هذه البلدان. قد ينفجر الوضع إذا تدهورت أزمة كلفة المعيشة”.
أصبحت الدول التي تواجه أصلاً أزمات حادة في معيشتها الأكثر عرضة للخطر، فقد كان نحو 16 مليون شخص في اليمن و13 مليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، وارتفع سعر الخبز في سورية بنسبة 367% في السنة الماضية وبوتيرة أسرع من ارتفاع الأجور بأربع مرات.
أخيراً تقول سارة غيرارديلو، خبيرة في قطاع الحبوب في الشركة الاستشارية LMC International: “يتكل هؤلاء الأشخاص على الواردات في جميع القطاعات لأن بلدانهم تدمّرت بفعل الحروب الأهلية، ويستحيل ألا تتضرر هذه الدول بدرجة حادة، ويصعب ألا تتفاقم الاضطرابات الاجتماعية والأزمات الإنسانية في ظل هذا الوضع”.