بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – عادت الأزمة الليبية إلى ماراثون الاجتماعات المتنقلة مع دعوة المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز إلى اجتماع في تونس؛ لبحث التوافق على قاعدة دستورية للبلاد، وسط مخاوف من تأثيرات الانقسامات العالمية بعد أحداث أوكرانيا على الوضع الداخلي، الذي يعاني تصدعاً سياسياً وهشاشة أمنية، بعد انتخاب مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، وتلكؤ حكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية ولايتها في تسليم السلطة.
ويليامز، التي تكثف مساعيها للسيطرة على الخلافات، تجد نفسها في تقاطع النيران بين الفرقاء، وتأمل أن تتوصل خلال أسبوعين إلى وضع قاعدة دستورية، توفر الأرضية القانونية لإجراء انتخابات عامة بشقيها الرئاسي والبرلماني، بعد تعذر ذلك الهدف في الرابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مما ضرب مصداقية خريطة الطريق التي انبثقت، بداية العام الماضي، عن ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف. وكان مأمولاً، في ذلك الوقت، بأن تكون ليبيا قد أخذت طريقاً لا رجعة فيه لتحقيق السلام، وإرساء نظام سياسي مستقر، لكن ذلك لم يتحقق، والطريق يبدو أطول مما كان يعتقد. واليوم هناك جهود كبيرة لتفادي أي توتر مسلح بين حكومتي باشاغا والدبيبة، ويبدو أن اجتماعات تونس بين مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» تهدف إلى جمع الطرفين على وفاق جديد يسمح لحكومة باشاغا بمباشرة مهامها بهدوء من العاصمة طرابلس، بعدما استلمت مبكراً المقرات الحكومية الرسمية في إقليمي برقة وفزان.
قبل أيام، احتدم التوتر بين حكومة الدبيبة وقيادة الجيش الوطني الليبي، بسبب عدم صرف رواتب الجنود لثلاثة أشهر، وهو ما يعني إعلان حرب حقيقية، وخطأ جسيماً قد يفجر الاقتتال مجدداً. ولكن ما يُبقي الأوضاع تحت السيطرة أن قيادة الجيش وحكومة باشاغا ملتزمتان بحل هذه الخلافات بالحوار وعبر الوسائل القانونية لا غير.
فالحكومة الجديدة المنبثقة عن مجلس النواب، هدفها الاستقرار وليس تأزيم الأوضاع، وما يؤكد ذلك أن باشاغا شدد مراراً على أن السلام سبيله الوحيد إلى استلام السلطة كاملة في طرابلس، بينما أكد نائبه عن المنطقة الشرقية علي القطراني أن «حكومة الاستقرار» تعمل على إتمام إجراءات استلام السلطة من الدبيبة سلمياً، للمحافظة على مقدرات البلاد، وحرصاً على الالتزام بما أقرته اللجنة العسكرية «5+5» من تدابير لتطبيع الأوضاع بين الغرب والشرق الليبيين بعد طي صفحة الانقسام التي استمرت سنوات بين حكومتي فايز السراج وعبد الله الثني السابقتين.
مشاكل ليبيا المعقدة لم تجد طريقها إلى الحلول الدائمة. ومنذ الإعلان عن خريطة طريق جنيف، المنبثقة عن توصيات مؤتمر برلين، يمكن القول: إن هناك نجاحاً نسبياً على المستوى العسكري أمنته لجنة «5+5» التي بددت أجواء الحرب، وتوصلت إلى جملة من القرارات الوطنية البناءة، لكن ذلك التقدم لم يواكبه أي نجاح عسكري؛ إذ يبدو أن الفرقاء لم يغادروا دوائر الصراع، ولم يتحرروا من مفرداته. ووفقاً لذلك فإن التحدي الأكبر اليوم يتمثل في تفكيك هذه العقبة، على الرغم من أنها مهمة صعبة وتتعقد مع الوقت، لأن هناك أطرافاً متنافرة تتحكم في المشهد ولا تريد له أن يستقر تماماً.