بقلم: د.ذِكْرُ الرحمن – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم– بينما تتواصل الحرب في أوكرانيا وتزيد الدول الغربية عقوباتها على روسيا، تخطِّط الهند لاستيراد النفط من روسيا. وفي هذا الإطار، وقعت شركة النفط الهندية المحدودة اتفاقا مع شركة نفط روسية تستورد بموجبه 3 ملايين برميل من خام نفط بسعر جد مخفض مقارنة مع الأسعار الدولية الحالية. وإذا كانت البلدان الغربية فرضت عقوبات بسبب هجوم روسيا على أوكرانيا، فإنه لا توجد أي قيود على استيراد شركات النفط الهندية لخام النفط من شركات النفط الروسية. وقد صدّرت روسيا حتى الآن 360 ألف برميل يوميا إلى الهند في شهر مارس فقط، أي ما يناهز أربعة أضعاف متوسط 2021.
تجارة الهند مع أوكرانيا وروسيا ليست كبيرة أو عميقة مثل تجارتها مع الصين والولايات المتحدة. ولهذا، كان يُتوقع أن يقتصر تأثير العقوبات الغربية على قطاعات معينة فقط مثل الأسمدة والغاز وفحم الطهي. فقد بلغ حجم التجارة بين الهند وأوكرانيا 3.1 مليار دولار في 2021 في حين بلغ حجم تجارة الهند وروسيا، المكبوحة بسبب قلة الترابط، 11.9 مليار دولار في 2021. غير أن ارتفاع أسعار النفط وسط المخاوف من اضطرابات في العرض يمثّل سببا رئيسيا للقلق بالنسبة للهند. ووفق شركة “نمورا” البحثية اليابانية، فإن الهند متبوعة بتايلاند والفلبين ستكون أسوأ المتضررين في آسيا من الأزمة الأوكرانية، إذ من المتوقع أن تواجه ارتفاعاً في التضخم، وضعفاً في الحساب الجاري والتوازنات المالية، وضغطا على النمو الاقتصادي.
اندلاع الأعمال العدائية العسكرية التي أدت إلى تداعيات على الاقتصاد العالمي يأتي في وقت كان يخرج فيه الاقتصاد الهندي من موجة كوفيد-19 ثالثة بسبب متحور أوميكرون وفي وقت أخذت تلوح فيه بشائر عودة إلى الحياة الطبيعية في الأفق. ولكن الأزمة ضخّت بعض عدم اليقين الاقتصادي بالنسبة للهند وسط اضطرابات سلع مثل زيت عبّاد الشمس، الذي يحظى بشعبية كبيرة في جنوب الهند بشكل خاص ويُستخدم في الطهي بشكل رئيسي. وضمن تأثير فوري، يسعى مستوردو زيت عبّاد الشمس جاهدين حاليا لإيجاد إمدادات بديلة. ويذكر هنا أن الهند تستورد 200 ألف طن من زيت عباد الشمس كل شهر، 70 في المئة منها تأتي من أوكرانيا، و20 في المئة من روسيا، و10 في المئة المتبقية من الأرجنتين. وكانت أسعار زيت الطهي في طريقها للارتفاع نظرا لعدم وصول أي إمدادات إلى الهند هذا الشهر وسط ضغوط تضخمية موجودة أصلا. ويذكر هنا أن تضخم المواد الغذائية ارتفع إلى 5.4 في المئة في يناير مقارنة مع 1 في المئة قبل خمسة أشهر فقط.
أما التأثير الآخر على الهند، فيُتوقع أن يطال قطاع الدفاع. ذلك أن 60 إلى 70 في المئة من أسلحة الهند مصدرها روسيا، بما في ذلك الطائرات الحربية والدبابات والأنظمة الصاروخية. وفضلا عن ذلك، فإن الهند ستحصل على فرقاطات شبحية لا يرصدها الرادار، وتقوم بإنشاء مصنع للبنادق في الهند بتعاون مع روسيا، واشترت 600 ألف بندقية هجومية من طراز “إيه كي 203”. وفي ما يتعلق بمشتريات النفط من روسيا، فإن نيودلهي لا تريد تسييس صفقات الطاقة نظرا لاعتمادها الكبير على الطاقة، وموقفها هو أن صفقات الطاقة لا ينبغي أن ترتهن للأزمة الأوكرانية.
وإلى ذلك، تدرس نيودلهي حاليا عددا من الخيارات للقيام بأعمال تجارية مع روسيا. فقبل عقود، خلال الحقبة السوفيتية، كانت هناك آلية روبية-روبل صُممت من أجل الالتفاف على الدولار الأميركي بسبب التوترات بين واشنطن وموسكو. فكانت الهند تدفع ثمن المواد التي تشتريها من روسيا بالروبية، مبلغ يعادل قيمة المنتجات بالروبل. كما اشتغلت هذه الآلية على شكل نظام مقايضة تقليدي، حيث كانت روسيا تستطيع بموجبها استيراد مواد من الهند بقيمة تعادل تلك التي ستشتري بها نيودلهي مواد من موسكو. وعلى الرغم من أن هذه الآلية توجد حاليا قيد الدراسة والبحث، إلا أنها لا تبدو عملية وقابلة للتطبيق في الوقت الراهن بسبب تقلبات العملة، كما تقول بعض مصادر.
ولا شك أن الحكومة الهندية تسعى للحفاظ على توازن بين روسيا والولايات المتحدة خلال الأزمة الأوكرانية. المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي صرّحت بأن شراء الهند للنفط الروسي لا يمثّل انتهاكاً للعقوبات الأمريكية ضد موسكو، ولكنها في الوقت نفسه حثّت نيودلهي على التفكير بشأن المكان الذي تريد أن تقف فيه الهند عندما تُكتب كتب التاريخ. غير أن البلد الجنوب آسيوي يبدو حريصا على الحفاظ على التوازن في موقفه وسط الأزمة المتفاقمة، إذ يمتنع عن الانحياز إلى أحد الطرفين ضد الآخر، على الرغم من الضغط الذي يتعرض له من أجل اتخاذ موقف من الأزمة، وخاصة من الولايات المتحدة.