الرئيسية / مقالات رأي / تونس بعد الاستشارة الشعبية

تونس بعد الاستشارة الشعبية

بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – لا يختلف الساسة التونسيون، حكومة ومعارضة، على وجود مشكلات كبرى تواجه البلاد وتستوجب حلولاً عاجلة وآجلة، مع اليقين بأن بعض هذه المشكلات ستعمر طويلاً بفعل تداعيات جائحة كورونا التي تتفاقم جراء التأثيرات السلبية للنزاع في أوكرانيا. وتونس في هذه الحال لا تختلف عن غالبية دول العالم الواقعة تحت التأثيرات السلبية للأزمتين، وتحاول مجابهتهما بما يلزم من إجراءات ذاتية أو ضمن شراكات إقليمية ودولية.

أكبر مشكلة تواجهها تونس في هذه المرحلة تتعلق بتسييس كل شيء، فبعض الأطراف المتضررة من مشروع الرئيس قيس سعيّد، تحمله المسؤولية الكاملة عن مآلات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتتخذ من التدهور المتعدد الوجوه أدوات للمناكفة ووسائل للضغط على أمل أن تنقلب المعادلات لصالحها. وهذه الأطراف «الثائرة» ليس لها ما تقدمه غير الخطاب السياسي الأجوف. ولو كانت في السلطة، كما كانت، لوجدت نفسها في ذات المأزق ولما استطاعت أن تجترح معجزة تحول البؤس إلى رفاه في زمن قياسي. والمانع في ذلك أن أسباب الأزمة الشاملة أعمق من أن تحلها مقاربة حزبية، وأكبر حتى من إمكانيات الدولة التونسية في هذا السياق العالمي.

ولكن ذلك لا يجب أن يحجب جهوداً تبذلها السلطة الحالية في محاولة لإصلاح الواقع والعمل على تغييره. ومهما تكن النتيجة ستكون المحاولة ضمن مسعى من المساعي مع احترام حق الاختلاف السياسي في انتظار استكمال مراحل المسار الذي بدأ مع الإجراءات الرئاسية في 25 يوليو الماضي.

قبل أيام قليلة انتهت الاستشارة الشعبية حول التغييرات السياسية الكبرى المتصلة بتعديل الدستور لصالح نظام رئاسي وتغيير قانوني الأحزاب والانتخابات. وقد شهدت تلك الاستشارة إقبالًا أقل من المتوقع بما يربو على نصف مليون مشارك. ولا يمكن اعتبار المشاركة المتواضعة دليلاً على رفض الأفكار المطروحة أو يمكن أن تضيف شيئاً إلى رصيد المعارضة، وإنما هي تعبير عن حالة نفسية واجتماعية تستبد بالشعب التونسي ولا تجعله يثق كثيراً في ما تقوله النخبة السياسية. كما أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في ظل قهر الإغلاقات للدواعي الصحية ومكابدة الغلاء، كلها جعلت من إبداء الرأي في الشأن العام شيئاً من الترف. ومع ذلك مازالت أغلبية واسعة تدعم إجراء الرئيس وتراهن على المسار الذي دشنه أملاً بإحداث تغيير عميق يتدارك ما فات ويصلح ما فسد.

 مهما تكن الانطباعات متباينة بشأن نتيجة الاستشارة الشعبية، إلا أنها تعطي مؤشرات عامة لتوجهات الرأي العام، وقد تكون مدخلاً لحوار وطني شامل مع كل الأحزاب والمنظمات التي تؤمن بضرورة إنقاذ البلاد من الكبوة الطويلة التي استمرت 11 عاماً، وتتطلع إلى مستقبل يمكن أن يكون أجمل وأرقى. فكل مقومات النهوض التونسي متوفرة، لكن البلاد تتطلب إرادة سياسية لها القدرة على اتخاذ القرارات الشجاعة والتكيف مع الظروف الصعبة والحرص على خلق الفرص. وسيكون هذا الطموح هو الامتحان الأكبر أمام تونس إلى موعد الانتخابات المقررة في نهاية العام.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …