الرئيسية / مقالات رأي / انحياز صيني للتاريخ

انحياز صيني للتاريخ

بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – العلامة الأبرز في الصراع الدولي الناشب على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تتمثل في محاولة جذب الصين للاصطفاف إلى جانب التحالف الغربي في مواجهة روسيا، بكل الوسائل والأساليب، من الضغوط الأمريكية الأوروبية الهائلة، إلى التهديد بعقوبات أكثر شراسة، لمنعها من التعاون مع موسكو، أو على الأقل، دفعها للقيام بوساطة تنهي الأزمة الأوكرانية.

في ميزان الصراع الدولي، يبدو أن الغرب ينطلق من حسابات خاطئة في تقييمه للوضع الدولي وحسابات المصالح الاستراتيجية، فهو لا يزال يتشبث بمقولة التفرد بالقوة المطلقة التي تمكنه من السيطرة على الساحة الدولية وفق النظام العالمي الحالي الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة. ويتناسى الغرب أن الصين كانت مرشحة، ولا تزال، لحروب اقتصادية وتجارية وعسكرية، حيث لم تتردد واشنطن في المسارعة إلى تشكيل تحالفات أمنية وعسكرية جديدة، على غرار تحالفي «كواد» و«أوكوس»، لمحاصرة الصين وبحرها الجنوبي.

ومن البديهي أن الضغوط الغربية على الصين، تستهدف في جانب منها عدم إجهاض العقوبات الغربية على روسيا، وفي جانب آخر توجيه رسائل شديدة اللهجة لبكين إذا ما فكرت بحل عسكري لاستعادة تايوان. لكن بكين تدرك أنها لا تستطيع خسارة موسكو وأن تخليها عنها يعني أنها «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، والأهم هو أن موسكو وبكين تتفقان على وضع حد لتوسع حلف «الناتو» شرقاً، وعلى أن جوهر الصراع الدائر حالياً لا يتعلق بأوكرانيا بقدر ما يتعلق بتشكيل نظام عالمي جديد بعيداً عن الآحادية، والذهاب إلى شراكة حقيقية ضمن عالم متعدد الأقطاب، وليس إلى قطبين متنافسين كما كان إبان الحرب الباردة.

وبالتالي إذا كان الهدف من الضغوط الغربية على الصين هو وضعها أمام خيار إما معنا أو مع روسيا، فإن بكين ستختار بلا أدنى شك موسكو، وهي قد اختارت بالفعل حين أعلن وزير خارجيتها مؤخراً أنها تقف على الجانب الصحيح من التاريخ، بينما رفض الرئيس الصيني في آخر مكالمة هاتفية مع بايدن كل الضغوط الخارجية والتهديد بالعقوبات، مشدداً على أن التصعيد مع روسيا سيؤدي ليس فقط إلى معاناة الشعوب وإنما يخلق أزمات خطيرة على مستوى العالم، داعياً الولايات المتحدة و«الناتو» إلى إعادة النظر في تقييمهما للوضع العالمي وإجراء حوار مع روسيا يقوم على معالجة جوهر الأزمة وفق هيكل أمني متوازن وفعال ومستدام للمنطقة والعالم، ودعم مفاوضات أوكرانية روسية تقود إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام.

مشكلة الغرب أنه لا يزال يراهن على استنزاف روسيا في أوكرانيا، من دون أن يخسر أي شيء، حتى لو أدى ذلك إلى «مقاتلة روسيا بآخر أوكراني»، بينما هو يؤدي دوره بالدعم والعقوبات، متجاهلاً ما قاله بايدن نفسه عن أن «القوى العظمى لا تخدع»، وأن روسيا ستكسب حرب أوكرانيا بأي ثمن ومهما كان الثمن، وبالتالي فإن المنتصر لا المهزوم هو من يكتب التاريخ، وبهذا المعنى يتأكد الموقف الصيني المنحاز إلى الجانب الصحيح من التاريخ.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …