بقلم: د. محمد العسومي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – تتزايد المطالبات الخاصة بضرورة زيادة إنتاج النفط للحد من الارتفاعات المستمرة لسعر البرميل، مما يوحي، بأن مشكلة ارتفاع الأسعار تتعلق بمسائل فنية لها علاقة بمستويات العرض والطلب في الأسواق العالمية، وهو ما لا يعكس واقع الحال ويتجنب معالجة العوامل الأساسية التي أدت وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وهنا يبرز سؤال رئيسي يتمحور حول ما إذا كانت هذه الأسباب ترتبط بالمسائل الفنية وأساسيات السوق، أم أنها مرتبطة بعوامل جيوسياسية خارجة عن سيطرة البلدان المنتجة للنفط، وبالأخص دول «أوبك+»؟ الإجابة على هذا التساؤل ستوضح الكثير من الحقائق وتبين المسار الممكن اتّباعه للحد من ارتفاع الأسعار والتي وجدت لها انعكاسات على الاقتصاد العالمي وأدت إلى مستويات من التضخم وارتفاع أسعار مختلف السلع.
وبالنسبة للمسائل الفنية، فإن بيانات السوق والمنظمات المختصة بالطاقة، بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية ومنظمة «الأوبك»، تشير بوضوح إلى أن هناك شبه توازن بين مستويي العرض والطلب، وإلى أن الدول المنتِجةَ تقوم بما يكفي لتلبية احتياجات الأسواق، بمعنى أنه لا يوجد نقص في الإمدادات بشكل عام.
ويقودنا ذلك للسبب الآخر الخاص بالعوامل الجيوسياسية والتي أثبتت أحداث الأسابيع الأخيرة، بأنها المعني مباشرة بارتفاع الأسعار وتذبذبها بصورة كبيرة، بدليل أنه قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كان سعر برميل النفط يتحرك بهامش مناسب يتراوح بين 75 و90 دولاراً للبرميل، إلا أنه بمجرد أن بدأت الحرب صعد السعر ليلامس 140 دولاراً ولينخفض بعد أيام قليلة إلى 96 دولاراً للبرميل بعد توارد الأنباء عن إمكانية نجاح المباحثات الروسية الأوكرانية لوقف الحرب، ليتضح فيما بعد أن هذه التسريبات مبالغ فيها، مما أدى إلى معاودة الارتفاعات ليصل سعر البرميل إلى 115 دولاراً بداية الأسبوع الجاري! وهنا يبرز سؤال آخر: هل حدث تغير بين مستويات العرض والطلب خلال هذه الأسابيع القليلة التي حدث فيها هذا التذبذب الكبير؟
الجواب: لا، فالعرض والطلب ظلا متوازيين في حدود 99 مليون برميل يومياً. وإذا كانت هذه هي الحقيقة، فما جدوى المطالب الغربية الخاصة بزيادة الإنتاج والتي ربما تكون لها نتائج عكسية على اقتصادات البلدان المنتجة فيما لو حلت الأسباب الحقيقية الخاصة بالتوترات الجيوسياسية، إذ أن زيادة الإنتاج حالياً دون اتفاق في نطاق «أوبك+»، وهو ما ترمي إليه الدول الغربية، سيؤدي إلى انهيار الاتفاق وتدني الأسعار. أما إذا تزامن ذلك مع الوصول إلى تفاهمات لإنهاء الحرب، فإن أسعار النفط ستشهد انهياراً كبيراً بسبب الخلل الذي سيصيب التوازن بين العرض والطلب.
وهذا أمر تحاول البلدان المنتجة التي تملك فائضاً في الطاقة الإنتاجية، مثل السعودية والإمارات، تفادي حدوثه. ومن هنا يتعين تشخيص الأسباب بصورة دقيقة، فالمطلوب هو التخفيف من حدة التوترات الجيوسياسية وإيجاد حل للحرب الأوكرانية يأخذ بعين الاعتبار مخاوف ومصالح كافة الأطراف، إذ في هذه الحالة فقط سنجد أن مستويات الأسعار عادت لمعدلاتها المقبولة التي سبقت الحرب، وذلك دون حاجة لزيادة كبيرة في الإنتاج والتي يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية على اقتصادات البلدان المنتجة، كما أوضحنا آنفاً.
أما في حالة استمرار الحرب، فإن الاكتفاء بمحاولات رفع الإنتاج لن يساهم في الحل كثيراً، فالأسعار ستستمر في الصعود مع بعض المنحنيات الخاصة بالمضاربات وجني الأرباح، بل إن الأسعار قد تشهد ارتفاعات غير مسبوقة، على اعتبار أن البلدان المستهلكة الرئيسية قد استخدمت نسبةً مهمةً من مخزونها الاستراتيجي مؤخراً في محاولة لخفض الأسعار دون نتيجة تذكر، مما يعني أنها بحاجة لتعبئة هذا المخزون مرة أخرى قريباً للمحافظة على أمن الطاقة لديها، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الطلب، بما يفوق قدرة الدول المنتجة على تلبيته، مما يعني أن الحل يكمن في معالجة حالة الانفصال بين الأسباب الحقيقية والنتائج الخاصة بارتفاع أسعار النفط.. أما بديل ذلك فهو الدوران في دوامة مجهولة النتائج.