افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – فشلت كل الجهود الأمريكية لإثناء الصين عن موقفها المحايد من الحرب الأوكرانية وجرّها إلى الصف المعادي لروسيا، بالانضمام إلى العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على موسكو، أو تقديم أي دعم عسكري إليها، بمعنى أن تقطع بكين علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو.
لعل واشنطن، من منطلق اعتزازها بنفسها وإحساسها بأنها تستطيع ترويض العالم لإرادتها، ظنّت أنها يمكنها إجبار الصين على اللحاق بها، وكأنها تتعامل مع إحدى الدول الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة.
فالصين دولة عظمى اقتصادياً وعسكرياً، وعلاقاتها مع العالم باتساع الكرة الأرضية، ولديها مصالحها ونفوذها، وهي ليست بحاجة إلى وصي خارجي يعلمها كيف تدير سياساتها وتحدد مواقفها.
الصين ترى أنها «تقف على الجانب الصحيح من التاريخ بالنسبة للأزمة الأوكرانية»، وقد أكدت وفقاً لوزير خارجيتها وانغ يي رفضها أية ضغوط خارجية، وكل الاتهامات غير الصحيحة التي توجه إليها. ومن الواضح أن هذا الموقف هو رد على الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تردد أنه حذر الزعيم الصيني شي جين بينغ خلال محادثاتهما الأخيرة من «عواقب» إذا قدمت بكين دعماً مادياً لروسيا في أوكرانيا.
وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قد أعرب عن قلق بلاده، خلال اجتماع استمر أكثر من سبع ساعات مع الدبلوماسي الصيني يانغ جيتشي في روما، من انحياز بكين إلى جانب موسكو، وحذر من تداعيات وعواقب محتملة على بكين إذا أقدمت على دعم موسكو.
إن جرَّ الصين إلى المعسكر المعادي لروسيا عملية مستحيلة في ظل الصراع القائم على النظام الدولي، خصوصاً أن الصين في قلب هذا الصراع، وهي مستهدفة كما روسيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.. فماذا قدمت الولايات المتحدة للصين غير العقوبات والتهديدات والحصار، وتشكيل التحالفات العسكرية المناهضة لها في منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، ودعم تايوان للحؤول دون عودتها إلى البر الصيني؟ فلماذا على الصين اختيار الجانب الخطأ وهي التي تكتوي بنار العقوبات الأمريكية، ولا تقف المواقف التي تعبّر عن قناعتها ورؤاها تجاه الأزمة الأوكرانية والأزمات الدولية الأخرى، التي أكد عليها الزعيم الصيني شي في محادثاته الهاتفية مع بايدن، التي نشرتها وكالة أنباء «شينخوا» الرسمية بقوله «إن الحل الدائم هو أن تحترم الدول الكبرى بعضها، وترفض عقلية الحرب الباردة، وتعزف عن المواجهة بين التكتلات، وتبني هيكلاً أمنياً متوازناً وفعّالاً ومستداماً بشكل تدريجي للمنطقة والعالم». في هذا الكلام دعوة مباشرة للولايات المتحدة للتخلي عن منطق القوة والغطرسة، والمباشرة في بناء نظام دولي جديد بدلاً من نظام الهيمنة القائم. كما أكد له أن العقوبات الشاملة والعشوائية لن تؤدي إلا إلى معاناة الشعوب، ويمكن أن تؤدي إلى أزمات خطيرة على مستوى العالم في الاقتصاد والتجارة والطاقة والغذاء وسلاسل الصناعة والإمداد، وفي ذلك إشارة واضحة إلى رفض مبدأ العقوبات من الأساس، وتحديداً ضد روسيا.
من يعتقد أنه يستطيع ترويض التنين الصيني، لا يزال يعيش أوهام القرون الماضية.