كلمة صحيفة “الرياض”
الشرق اليوم – لا شك أن الحرب في أوكرانيا ستستقر كلحظة تحول فاصلة في تاريخ النظام العالمي، لكن ما يعنينا نحن في المنطقة بروز حقائق وانكشاف زيف ادعاءات ومواقف سياسية وحقوقية، ما يكشف تهافتها وانتهازيتها الصريحة بشكل غير مسبوق.
ولعل أبرز حقيقة تمسنا في المنطقة استمرار أهمية النفط للاقتصاد العالمي، إذ كشفت حرب أوكرانيا، أن العالم ما زال يعيش زمن النفط التقليدي، وبيّنت الزيارات الكثيفة للمنطقة من قبل مسؤولين غربيين، وحالة الاستجداء الغربية لدول أوبك بزيادة الإنتاج لكبح أسعار النفط تهافتَ وزيفَ نظرية نهاية عصر النفط، التي بُنيت على أساس رغبوي أكثر منه أسساً واقعية وعلمية.
ومن اللافت هنا أن دعاة الطاقة النظيفة سرعان ما نسوا هجاء النفط، وسردية الاحترار العالمي، وانضموا لدعوات رفع الإنتاج النفطي، لكبح أسعاره، في براغماتية سافرة، تظهر مرة أخرى ازدواجية المعايير.
كما قضت الأزمة الأوكرانية على أسطورة حرية التعبير المطلقة، إذ كشف توجه الغرب لحظر مواقع إعلامية وقنوات روسية، زيفَ دعوى حرية التعبير وتقديس الليبرالية الإعلامية بشكل مطلق، وبيّن الانتهازية السياسية الصرفة، خلف دعاوى حرية التعبير وتوظيفها لخدمة أجندة محددة.
ومن دروس أوكرانيا أيضاً لجوء الغرب لدعم المقاومة الأهلية في أوكرانيا، وغض الطرف عن مشاركة مرتزقة في الحرب، وهي حقيقة أخرى تبرهن ازدواج المعايير الغربية، إذ حينما يمس الموضوع مصالحها، تسقط كل المعايير الأخلاقية، وتختفي مبادئ الشرعية الدولية.
وقد تعرّت المثالية الغربية تماماً، على لسان مسؤولين وإعلاميين غربيين خلال التغطية الإعلامية للحرب عبر عبارات مغرقة في العنصرية، ومقارنات تنضح فوقية ونرجسية بين أحوال اللاجئين «ذوي العيون الزرقاء» في أوكرانيا، وغيرهم من معذبي الدول الأخرى التي لا تقع في الفلك الأوروبي «الأكثر أهمية» بحسب نظرتهم الاستعلائية.
أما أبرز الدروس هنا، فيتمثل في أهمية تعزيز عناصر القوة الذاتية في المنطقة، وتعميق التحالفات الإقليمية، حيث أوضحت المواقف المتقلبة للغرب، وازدواجية المعايير، ضرورة تنويع التحالفات، وانتهاج سياسة منيعة وحازمة حيال أي تهديد للمصالح الوطنية، ويتجسد ذلك في السياسة الحكيمة التي تنتهجها المملكة إزاء المسألة الأوكرانية، وغيرها من الأزمات.