الرئيسية / مقالات رأي / حرب التجويع العالمية

حرب التجويع العالمية

بقلم: حسام ميرو – صحيفة “الخليج”


الشرق اليوم – لم يكن ينقص العالم سوى حرب جديدة، بهذا المستوى الموجود الآن، والتي تدور ظاهرياً بين روسيا وأوكرانيا، وفي حقيقتها بين روسيا والغرب، أي أنها حرب عالمية بامتياز، أطرافها من الوزن الثقيل، يديرون الاقتصاد العالمي، ويسيطرون على بعض أهم منابع الطاقة، وبإمكانهم في لحظة جنون أن يكبسوا على الأزرار النووية، فيحيلوا العالم إلى شتاء ذريّ، قد تُعرف لحظة بدايته، لكن لا أحد يعرف متى يمكن له أن ينتهي.
أسعار الطاقة ومشتقاتها قفزت بشكل جنوني. قبل عام تقريباً، كان العالم يغصّ بفوائض النفط، وكان البحث جارياً عن مستودعات محتملة لكميات بعشرات الملايين من الأطنان من الفوائض النفطية، فقد أبطأت جائحة «كورونا» حركة الاقتصاد والتجارة العالميتين، أما الآن، فقسم كبير من بلدان العالم، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، تعاني مشكلات كبيرة في تأمين احتياجاتها من النفط والغاز، خصوصاً أن العقوبات التي طالت روسيا، وشملت نواحي متعددة، من بينها نظام التعاملات المالية «سويفت»، كان لها تأثير فوري في ارتفاع أسعار الطاقة، وحدوث نقص في المعروض، ما يهدّد بقوة مختلف الصناعات، وحركة النقل، والتدفئة، وكلّ ما يرتبط بالطاقة من أنشطة.
العالم مرعوب، لا يراقب عدد الضحايا الذين يسقطون في المعارك فقط، أو الفارين من أتونها، لكنه يراقب أيضاً، وربما بشكل أكثر حدّة، الآثار التي ستطال الأمن الغذائي العالمي، فروسيا هي المصدّر العالمي الأول للقمح، بنسبة تصل إلى أكثر من 18% من القمح الذي تستورده دول العالم مجتمعة، وقد أقرّت حكومتها وقف تصدير القمح والحبوب إلى نهاية يونيو/ حزيران المقبل، وتأتي أوكرانيا في المرتبة الخامسة عالمياً في تصدير القمح، وقد أوقفت أيضاً تصدير منتجاتها الزراعية، ومن المتوقع فعلياً أن تعاني دول كثيرة نقصاً في واردات القمح في المقام الأول، وزيادة كبيرة في أسعار المعروض، ما يعني فعلياً ضربة قوية لغذاء الفقراء الأول «الخبز»، ويجعل من المتوقع، كما تقول قراءات عدة، أن يشهد العالم انتفاضات جديدة، تقوم بها الشعوب الجائعة.
منذ بضعة أشهر، بدأت مؤشرات التضخم العالمي (زيادة أسعار السلع) بالارتفاع، كنتيجة متوقّعة للمشكلات الاقتصادية التي خلّفها وباء «كورونا»، فقد تضرّرت بسببه مجمل القطاعات الاقتصادية، لكن بعض القطاعات كانت تأثّرت فيه بشكل شبه كلي، مثل قطاع السياحة، وهو قطاع يعدّ أساسياً في بعض البلدان، ويشكّل عصب الاقتصاد فيها، كما تأثّر به قطاع الزراعة في غير مكان، كما في بعض بلدان أوروبا، خصوصاً ألمانيا، حيث شهدت عجزاً كبيراً في الأيدي العاملة في هذا القطاع، لكن القدرة على الحدّ من أزمات مستوى التضخم متفاوتة بين الدول، حيث تلعب الفوائض المالية دوراً مهماً في هذا الجانب، إضافة إلى الحوكمة، والخبرات المتراكمة في التعامل مع الأزمات.
لكن معظم دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحتى بعض دول أوروبا، لا تمتلك فوائض مالية معتبرة، وبعضها ينوء تحت ثقل الديون للبنك الدولي، ولا تمتلك نظم حوكمة جيدة، وجسدها المؤسساتي منهك من الهدر والفساد، ولديها تاريخ سيئ في التعامل مع الأزمات، ما يجعلها المهدّدة رقم واحد بحرب التجويع المرافقة للصراع الغربي الروسي، ولن يكون بمقدورها أن تتحمّل التكاليف المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة، أو السلع الغذائية، ومن المرجّح أن تسعى الكثير من الدول إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية، لمواجهة الصدمة، لكن هذا الحلّ الكارثي، لن يكون بإمكانه الصمود.
حرب التجويع العالمية الراهنة تتجاوز الدول المعنية بالحرب العسكرية، فهي موجهة نحو الدول والشرائح والأفراد الأكثر فقراً، ومؤخراً، دعا أنطونيو جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى «تجنّب إعصار الجوع وانهيار نظام الغذاء العالمي»، وقد استند جوتيريس إلى مؤشر «الفاو» لأسعار الغذاء العالمية، الذي وصل إلى أعلى مستوى له، حيث تجاوزت أسعار الحبوب مستوياتها في عامي 2007 و2008.
مؤشرات الفقر في العالم مرعبة، فقد بلغ عدد من يعيشون تحت خطّ الفقر في العالم قبل جائحة كورونا (بحسب البنك الدولي) نحو 1.3 مليار إنسان، وأدخلت الجائحة بين 140 و160 مليوناً آخرين إلى ما دون خط الفقر، لكن الحرب الراهنة، وما سينجم عنها، بحسب المؤشرات الأولية، ستدفع دول العالم الفقيرة إلى اضطرابات، وربما حروب بينية، أو داخلية، أي إلى مزيد من الدم والجوع، وزيادة الهوّة إلى مستويات غير مسبوقة بين أغنياء العالم وفقرائه.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …