بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يبدو أن الحرب الروسية-الأوكرانية، آخذة في التصاعد ميدانياً، مع تكثيف الروس ضغطهم لتحقيق تقدم ملموس على الأرض عبر إخضاع مدن رئيسية، تمهيداً للسيطرة النهائية على كييف ثم باقي الأراضي الأوكرانية.
الزخم الميداني قد يكون سبباً مهماً في إسكات المدافع وتبريد البنادق، فالخسائر الفادحة قد تجبر طرفي النزاع على الدخول في مفاوضات جدية على عكس سابقتها للتوصل إلى صيغ مشتركة تحقق لموسكو أمنها، ولكييف سيادتها.
فأوكرانيا بدأت تدرك أنها وحدها في مواجهة قوة عظمى تملك جيشاً جراراً بأسلحة نوعية، إذ تيقنت أنه لن يتم ضمها إلى “الناتو”، أو حتى إلى الاتحاد الأوروبي رغم الوعود، بل إن الغرب أيضاً رفض بصرامة إقامة منطقة حظر طيران لأجوائها، بعدما أكد مراراً أن ذلك لن يتم خشية تطور الصدام وتمدده إلى أوروبا كلها، وربما إلى العالم كله، مع امتلاك روسيا والغرب أسلحة نووية قادرة على إحداث ضرر لا تحمد عقباه. فالرئيس الأوكراني أكد بيأس في أكثر من مناسبة استحالة انضمام بلاده لحلف الأطلسي، على الأقل مرحلياً، وهذا كان سبباً كافياً ليشن هجوماً على الغرب متهماً إياه بعدم الوفاء بوعوده وحماية بلاده، قائلاً إن إحجام الغرب عن التدخل أعطى روسيا “الضوء الأخضر” لمواصلة قصف البلدات والقرى. لكن هذا الإحجام كان متوقعاً في ظل تهديد الروس كل من يتدخل، وأهمها تصريح بوتين الذي أشار إلى أن أي دولة تحاول فرض منطقة حظر طيران ستُعد “مشاركة في صراع مسلح”.
ومن الأسباب التي يمكن أن تدفع نحو حل سلمي، هي الخسائر الفادحة التي تعرضت لها أوكرانيا وروسيا، فالعقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضت على روسيا، وصولاً إلى فرض عقوبات على القطط الروسية أيضاً، وما تعرضت له من خسائر ميدانية، قد يقنعها بتقديم بعض التنازلات على أن تحقق مكاسبها الأساسية التي دخلت لأجلها الحرب، بينما أوكرانيا، قد ينجيها جنوحها نحو الحياد، والابتعاد عن “الناتو”، والتسليم بأن القرم روسية، مقابل عدم التعرض لها من قبل موسكو. فالروس غير معنيين بانكسار اقتصادهم، بينما أوكرانيا ليست مضطرة للاستمرار في حرب قد تعيدها سنوات للوراء من دون طائل، وهم أدركوا الدرس مؤخراً رغم بعض “المكابرة” أنهم الواجهة لتحقيق غايات أمريكا، ومن لفّ لفها.
لكن، ثمة شحن غربي قد يؤجل أي تسوية، إذ لا تلوح في الأفق أي نية أوروبية -أمريكية لتخفيف الاحتقان، عبر الاستجابة للمطالب الروسية، بل إن هذه الدول تزيد الزخم بنشر جنودها وبناء قواعد جديدة بالقرب من الحدود الروسية، ومد أوكرانيا بالسلاح. ويبدو أن الغرب رغم وصول شظايا الحرب إلى داره بتضرر اقتصاده واستقباله ملايين اللاجئين، معني بكسر شوكة روسيا.. لكن ذلك لن يكون باليسير أمام دولة تطمح إلى إعادة أمجادها التي حطمت جراء تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن الماضي، لذلك لن يكون الحل إلا بالجلوس على الطاولة وتقاسم المصالح وإنهاء الصراعات الدموية.. وإلا فإن البديل هو الدمار الشامل.