الشرق اليوم- ارتفعت خلال الأونة الأخيرة مطالبات غربية تدعو الصين للدخول كوسيط لوقف الحرب الروسية في أوكرانيا، وجاء ذلك بعد فشل الوساطة الفرنسية والوساطة الألمانية، بالإضافة إلى طبيعة العلاقات المميزة بين بكين وموسكو والتي تجعل منها مؤهلة لهذا الدور، ولكن هناك تساؤلات حول مدى استفادة الصين من نشوب هذه الحرب .
ورغم تصعيد مستويات التهديد في الوضع الدولي، إلا أن الصين أكدت، أنها ستحافظ على شراكتها الشاملة وتعاونها الاستراتيجي مع روسيا، فإن الصين تعد أكبر شريك اقتصادي بالنسبة لروسيا.
وبالإشارة إلى المطالبات الغربية، فقد دعا وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، بكين، لاستغلال نفوذها لوقف العملية العسكرية الروسية ضد بلاده. ومن جهته قال مفوض السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل: إن “الدول الغربية لا يمكنها لعب مثل هذا الدور.. يجب أن تكون الصين.. ما من بديل”، كما صرّح أيضا وزير الخارجية الأسترالي رالي سكوت موريسون، أن على الصين أن تنضم إلى الجهود المبذولة لوقف الحرب، مؤكداً أنه لن يكون لأية دولة تأثير أكبر من الصين.
وسرعان ما جاء الرد الصين على المطالبات، إذ قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي: إن بلاده مستعدة لمواصلة لعب دور بناء في تعزيز المصالحة وتحفيز المفاوضات، ومستعدة للعمل مع المجتمع الدولي للتوسط حسب الحاجة.
وشدد على أهمية المحادثات المنعقدة بين روسيا وأوكرانيا، وأضاف وانغ يي: أن حل النزاع في أوكرانيا يتطلب “أعصابا هادئة” بدلا من “صب الزيت على النار”.
في حين أن العلاقات غير المتوافقة بين الصين والغرب وخاصة مع الولايات المتحدة، تدفع هذه الوساطة إلى الجمود.
موقف الصين من الحرب والعقوبات
إن الحرب في أوكرانيا، لا تخدم الصين من الناحية الاستراتيجية، لأنها ستعرقل تمددها الاقتصادي في العالم، وستقوض العقوبات على روسيا تجارتها مع الأخيرة، وستعود أزمة سلاسل التوريد العالمية مجددا، ومع ارتفاع أسعار الطاقة، فسيؤثر ذلك ليس فقط على ارتفاع قيمة الواردات الصينية بل أيضا على تقلص صادراتها، وجاء ذلك وفقا لتحليل لوكالة الأناضول.
وهذا المناخ الاقتصادي المضطرب لا يخدم سياسة بكين في التوسع التجاري بالأسواق العالمية، ما دفعها للمسارعة في عرض وساطتها بين موسكو وكييف، كون أنها تملك نقاط ضغط مهمة، باعتبارها الشريك الأول للبلدين، والمنقذ الوحيد لروسيا من العقوبات.
فقد دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى “أقصى درجات ضبط النفس” في النزاع الأوكراني واصفا الأزمة بأنها “مقلقة للغاية”، مشيرا إلى أن بلاده حزينة جدا لتجدد الحرب في القارة الأوروبية.
هذا وقد أعلن وزير الخارجية الصيني، أن العقوبات الأحادية تؤدي فقط إلى تفاقم التناقض وزيادة التوتر، ويرى أن تحقيق استقرار طويل الأمد في أوروبا، يجب أن يشارك فيه الاتحاد الأوروبي والناتو وروسيا من خلال حوار متساو، لتشكيل نظام أمني متوازن وفعال ومستدام.
وشدد على أن التعاون والمشاورات، هي حكمة سياسية ومن التقاليد الدبلوماسية لدول الشرق، وقد أثبتت فعاليتها حقا.
وفي نفس السياق، دعت الصين إلى ضرورة دراسة الأسباب الجذرية الأولى للوضع في أوكرانيا، فقد قال عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني يانغ جيتشي: إنه من المهم توضيح السياق التاريخي للمسألة الأوكرانية، للوصول إلى أصل المشكلة والاستجابة للمخاوف المشروعة لجميع الأطراف.
ودعا عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، المجتمع الدولي إلى تقديم دعم مشترك للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا من أجل تحقيق نتيجة مهمة والتوصل إلى وقف التصعيد في أقرب وقت ممكن.
استفادة الصين من الحرب
ألقت العقوبات الاقتصادية على روسيا بعد غزوها أوكرانيا بظلالها، على الاقتصاد العالمي، فقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة التأثير العكسي للعقوبات المفروضة، ولكن السؤال يبقى هل الصين استفادت من الحرب؟
إن الموقف السياسي المحايد للحكومة الصينية إزاء الحرب الروسية الأوكرانية قد يثمر أيضا عن مكاسب اقتصادية إذا زادت أهمية الصين لدى روسيا، فقد بلغ إجمالي قيمة الصادرات الغذائية الروسية 38 مليار دولار في عام 2021، ذهبت منها صادرات بقيمة 4.7 مليارات دولار إلى الاتحاد الأوروبي، ومن المحتمل أن تدفع العقوبات الأوروبية، للتخفيف من وطأة تضخم أسعار المواد الغذائية في الصين، إذا قامت روسيا بتحويل بعض صادراتها الغذائية إلى الصين بشروط ميسرة، وفقا لما قالته شبكة “بروجيكت سينديكيت”.
وبالمثل، يرجح أن تحصل الصين على شروط أيسر بالنسبة لوارداتها من الطاقة في ظل استمرار الحرب وخفض الدول الأخرى مشترياتها من النفط والغاز الروسيين. فقد حظرت الولايات المتحدة واردات النفط الروسية، ومن المرجح أن تحذو دول أخرى حذوها.