بقلم: كمال جاب الله – الأهرام
الشرق اليوم – لا يكاد يمر يوم واحد –تقريبًا- إلا ونطالع تصريحًا منسوبًا لمتحدث صيني، داعيًا عناصر انفصالية متهورة في تايوان للاحتكام إلى ضمائرهم، وعدم الانسياق وراء تحريض قوى أجنبية، تسعى –باستماتة- لإشعال الفتنة والحرب بين ضفتي المضيق.
في الآونة الأخيرة، تتردد مناقشات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، من عينة: اليوم أوكرانيا وغدًا تايوان، وأمام الصين فرصة تاريخية لإعادة الجزيرة، وهل يمكن للصين استنساخ “بروفة” الحرب الروسية – الأوكرانية لاستعادة تايوان؟
كثير من الخبراء الملمين بالملف الصيني نفوا –بشدة- الربط بين تايوان وما يحدث في أوكرانيا، من زاوية أن الأخيرة دولة مستقلة ذات سيادة، في حين تعترف الغالبية العظمى من دول العالم بمبدأ “صين واحدة”، وأن تايوان جزء أصيل من الصين.
بكين، ذاتها، أكدت –وتؤكد دائمًا- أن إعادة التوحيد السلمي لتايوان مع الوطن الأم لا يزال هو الخيار الأول، وإذا جرى التلويح -من جانبها في بعض الأحيان- بعدم التخلي عن استخدام جميع الوسائل الضرورية، بما فيها القوة، فإن ذلك يستهدف التدخلات الأجنبية، وتحديدًا من واشنطن، المؤيدة لما يسمى باستقلال تايوان.
الثابت في كل الأدبيات أن تايوان جزء من الصين منذ العصور القديمة، والمواطنون على جانبي مضيق تايوان جميعهم صينيون، ولديهم الثقافة، واللغة نفسها، وهم من أصل واحد، ويجري في عروقهم دم واحد، لذلك، فإن عودة تايوان إلى الوطن الأم هي اتجاه تاريخي لا يقاوم، وهذا يختلف تمامًا عن التطورات الروسية – الأوكرانية.
على هامش الدورة الأخيرة لمجلس نواب الشعب، تحدث عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني، وانج يي، حول مسألة تايوان، قائلًا: “هناك اختلاف جذري بين مسألة تايوان والمسألة الأوكرانية، فلا وجه للمقارنة بين المسألتين”.
أضاف: “يؤكد البعض على مبادئ السيادة في المسألة الأوكرانية، إلا أنهم يمسون بسيادة الصين وسلامة أراضيها، فيما يخص مسألة تايوان، بشكل مستمر، ويعد ذلك معيارًا مزدوجًا مفضوحًا”.
أكد الوزير وانج يي: “يكون مصير تايوان مرهونًا بتحقيق وحدة البلاد، بدلًا من “شيك على بياض” من الخارج، إن الاستقواء بالخارج طريق مسدود، و”سياسة احتواء الصين بـ تايوان” مكتوب عليها بالفشل، وستعود تايوان حتمًا إلى أحضان الوطن الأم، في نهاية المطاف”.
أيضًا، وفي محاولة للربط بين مسألة إعادة تايوان، سلميًا، ورفع الصين لميزانيتها العسكرية بنسبة 7.1% عام 2022، يقول المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، وو تشيان، إن الميزانية بلغت 1476.081 مليار يوان، (الدولار يوازي 6.3 يوان).
شرح المتحدث المناورات والتدريبات العسكرية الصينية -ذات الصلة بـ تايوان- قائلًا إنها تستهدف الأنشطة الانفصالية لاستقلال الجزيرة، وتدخل القوى الخارجية، ولا تستهدف بالتأكيد مواطني تايوان.
قال وو تشيان: “المواطنون على جانبي مضيق تايوان إخوة من أسرة الأمة الصينية الواحدة، يشتركون في مصير مشترك، مؤكدًا أن الصين التزمت دائمًا بمبدأ “إعادة التوحيد السلمية ودولة واحدة ونظامان”، وستبذل قصارى جهدها للسعي من أجل إعادة التوحيد السلمية، عبر مضيق تايوان، بأكبر قدر من الإخلاص، لكنها لن تتسامح أبدًا مع القوى الانفصالية الرامية إلى استقلال تايوان وتقسيم الوطن الأم”.
أشار وو تشيان إلى أنه منذ وصول الحزب الديمقراطي التقدمي للسلطة في تايوان، رفض الاعتراف بـ “توافق 1992″، وصعد من أنشطته الانفصالية من أجل “استقلال تايوان”، في الوقت نفسه، تواطأت قياداته مع قوى خارجية للاستفزازات والسعي للاستقلال، وأضرت مثل هذه التصرفات بشكل خطير برفاهية مواطني تايوان والمصالح الأساسية للأمة الصينية، وهي السبب الجذري للتوتر والاضطراب الحاليين في مضيق تايوان.
قال المتحدث الصيني إنه كلما تدخلت الولايات المتحدة واليابان بشأن قضية تايوان، زادت صعوبة إجراءات الصين لحماية السيادة الوطنية وسلامة أراضيها، مؤكدًا أن قضية تايوان من شؤون الصين الداخلية البحتة، ولا يسمح بأي تدخل أجنبي، وأن جيش التحرير الشعبي الصيني لن يتسامح مع الأعمال الانفصالية المتمثلة في “استقلال تايوان” وتدخل القوى الخارجية، وستضرب متى ظهرت.
في 11 أكتوبر الماضي، وقبل نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية، نشرت “بوابة الأهرام” مقالا لي بعنوان: هل تعود تايوان للصين سلميًا قبل حلول عام 2025؟ وقتها، استندت إلى تصريحات منسوبة لمسئول عسكري في تايبيه، تشو كوه تشينج.
في 10 مارس الحالي، وفي إطار ما يجري ترديده من ربط مريب بين مسألتي تايوان وأوكرانيا، يقول المسئول العسكري، نفسه: “لا أحد يريد حربًا، يجب حقًا التفكير في ذلك مليًا”، معتبرًا أنه “إذا ذهبت إلى الحرب حقًا، فسيكون ذلك كارثيًا للجميع”.
أضاف أن تايبيه “تراقب وتستمع لكننا نغلق أفواهنا، نحن نتابع التطورات، ونجهز أنفسنا، لكننا لا نبحث ذلك علانية أو نناقشه”.
أهم درس في مسألة أوكرانيا، تعلمه الساعون للاستقلال في تايبيه، يمكن تلخيصه في المثل المصري القائل “إللي متغطي بأمريكا عريان”، حيث تراجعت لديهم الثقة بالولايات المتحدة، بعد أن رأوا –بأعينهم- الانسحاب الأمريكي المهين من أفغانستان، واهتزاز البيت الأبيض تجاه الأزمة الأوكرانية، فما البال، لم تعد الإدارات الأمريكية المتعاقبة –أبدًا- بإرسال قوات إلى الجزيرة، في حال نشوب حرب في مضيق تايوان.
معروف أن مسألة تايوان تخضع لمبادئ البيانات المشتركة الثلاثة، التي وقَّعت عليها حكومتا الصين وأمريكا، في سنوات 1972 و1979 و1982، والتي أوصلت إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين، وتطبيع علاقاتهما، وإعادة مسألة تايوان إلى موضعها الأصلي كبقعة صينية تخضع للصين الأُم سلميًا.
تبقى الآمال منعقدة بـ تواصل الشعب الصيني في ضفتي مضيق تايوان مع بعضهما البعض دون عوائق، ومنعاً لتدخل أي قوى أجنبية في شؤون الصينيين، عملًا بالمبدأ الدولي الشهير القائل: بعدم جواز تدخّل أية دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.