الرئيسية / مقالات رأي / حربٌ عالمية ثالثة؟!

حربٌ عالمية ثالثة؟!

بقلم: جمعة بوكليب – الشرق الأوسط


الشرق اليوم – صفحاتُ الرأي في أغلب الصحف الغربية، وما يدورُ من نقاشات في البرامج السياسية المرئية والمسموعة، يلاحظ أنها لا تخلو من آراء لمحللين سياسيين، بعضهم يُلمحون، وآخرون يؤكدون، أن العالم يعد حالياً المسرح لحرب كونية ثالثة. الحربان العالميتان انطلقتا من غرب البلقان. الحرب الأولى انطلقت شرارتها من سراييفو. وكانت بولندا البوابة التي دخلت منها الحرب الكونية الثانية. وها هي أوكرانيا، الجارة جغرافياً، تشتعل بنار حرب نأمل ألا تنسكب نيرانها خارج الحدود، وتطال المنطقة والعالم.
ليس من الحكمة إنكار حقيقة أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا قد اقترب بالعالم من بوابة الجحيم. وليس من الصعوبة بمكان كذلك التكهن بإمكانية انفلات مسارات الحرب الأوكرانية وخروجها عن السيطرة، كشأن الحروب. إلا أن القول بإمكانية انجرار دول العالم إلى حرب عالمية ثالثة وإن كان لا يخلو من مصداقية، لكنه، حتى الآن، وما لم تنقلب الأمور رأساً على عقب دولياً، يظل أمراً بعيد الاحتمال واقعياً. والسبب، لأن قادة العالم، في الغرب والشرق على السواء، على معرفة بما سببته الحربان السابقتان. ولعلمهم مسبقاً بطبيعة ونوعية الكارثة التي ستحيق بالبشرية في حالة نشوب حرب كونية ثالثة. قد يقول قائلٌ إن الكوارث التي سببتها الحرب الكونية الأولى لم تمنع اشتعال أخرى، في فترة زمنية تعد قصيرة نسبياً. وهو صحيح. لكن العالم عام 1939 يختلف عن العالم 2022.
التاريخ أفضل مرجع. وما يذكره التاريخُ هو أن القومية (Nationalism) كانت السبب وراء حربين عالميتين. في الحرب الأولى عام 1914 أجج التنافس الإمبريالي نار القومية في أوروبا، وأدى بها إلى الحرب. وفي الحرب الثانية عام 1939 أججتْ مهانة الهزيمة نار القومية الألمانية، وقادت ألمانيا والعالم إلى كارثة. في تشخيصه للأسباب والدوافع وراء الأزمة الأوكرانية، يرى رئيس الوزراء البريطاني العمالي الأسبق غوردن براون أن الحرب الحالية في أوكرانيا، لن تتوقف وستمضي إلى النهاية. والسبب، لأنها حرب بين قوميات متنافسة (Competing Nationalisms). ويؤكد عودة الآيديولوجيا القومية إلى أجندة السياسة الدولية.
التقارير الإعلامية، وتحليلات المعلقين السياسيين في دول الغرب خصوصاً، لا تفتأ تُذكّر بهذه الاحتمالية. وفي خضم ما يحدث، هناك تطوران لافتان للاهتمام؛ أولهما شحنات الأسلحة الهائلة المرسلة من دول الغرب إلى أوكرانيا عبر الحدود، وثانيهما ما حملته وسائل الإعلام من أخبار عن وصول مقاتلين متطوعين للقتال في أوكرانيا من بلدان عديدة.
فيما يتعلق بشحنات الأسلحة، صرح نائب وزير الخارجية الروسي مؤخراً بأن تلك الشحنات تعد هدفاً عسكرياً مشروعاً للقوات الروسية. وقبل ذلك، حذر الأمين العام لحلف الناتو من مغبة التعرض لتلك الشحنات، كونها تشمل أسلحة دفاعية وليس هجومية، ولا تمثل خرقاً للقانون الدولي. هناك قلق متزايد من قيام القوات الروسية بضرب شحنات الأسلحة، مما قد يؤدي بقيادات الناتو إلى التدخل. بعد مرور يوم على تصريح نائب وزير الخارجية الروسي، قصف الجيش الروسي قاعدة عسكرية أوكرانية قرب الحدود البولندية، مخصصة لاستقبال المتطوعين، وتدريبهم عسكرياً على يد خبراء عسكريين من دول أعضاء في حلف الناتو.
وفيما يخص المتطوعين الأجانب، فإن التقارير الإعلامية الغربية تتحدث عن وصول مقاتلين لأوكرانيا من بلدان الغرب للدفاع عن كييف. الرئيس الأوكراني دعا علناً المتطوعين للقدوم إلى بلاده والمشاركة في القتال. نفس وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن وصول مقاتلين أجانب (من شرق المتوسط) إلى أوكرانيا، ليس دفاعاً عن أوكرانيا، بل للمشاركة مع القوات الروسية، الأمر الذي يعيد للأذهان حكايات الفيلق الأجنبي في الحرب الأهلية الإسبانية.. تلك الحرب التي بانتهائها، بدأت الحرب الكونية الثانية.
ربما يفسر تراجع الرئيس الأميركي جو بايدن، في آخر لحظة، عن تورط بلاده في دور الوسيط المكلف تسليم الطائرات البولندية المقاتلة إلى أوكرانيا، ورفضه بشدة الطلب الأوكراني بفرض حظر جوي على الفضاء الأوكراني، على أنه محاولة جادة لتفادي إمكانية التورط في صدام عسكري جوي مباشر بين حلف الناتو وموسكو، يفتح الباب أمام حرب كونية.
ويرى معلقون سياسيون غربيون أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لتفادي أي تطورات تخرج بالحرب عن نطاق السيطرة: أن يتمكن الطرفان من فتح ثغرة في الجدار، وأن ينجحا عبر التفاوض في الوصول إلى حل مُرض لكليهما بما يضمن حفظ ماء الوجه. أو تصعيد نيران الحرب. أو بقاء الوضع على ما هو عليه.
الجانبان الروسي والأوكراني صرحا مؤخراً بظهور مؤشرات إيجابية في المفاوضات. لكن المساحة الفاصلة بين مطالب الجانبين ليس من السهولة تجسيرها. ومهما كانت الدوافع الآيديولوجية أو السياسية وراء الأزمة الأوكرانية، فإن الحرب الحالية، كما يؤكد غوردن براون، «تُعيد كتابة التاريخ. وأن الغزو الروسي وضع نهاية فُجائية وعنيفة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة… وأن أوروبا لن تعود مطلقاً كما كانت».
ألا يذكرنا ذلك بما فعلته الحربان العالميتان السابقتان بأوروبا؟

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …