بقلم: زاك مايرز – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – كثيراً ما تنتقد الشركات الأمريكية العملاقة سياسة المنافسة التي تنتهجها المفوضية الأوروبية، مُدعية أنها تحمي الشركات الأوروبية غير الفعالة. وفي الوقت نفسه، تُشيد بسياسات مكافحة الاحتكار المتساهلة التي تتبناها الولايات المتحدة، والتي تعتبر الهيمنة على السوق بمثابة مكافأة على النجاح، كما ساعدت في تطوير الشركات الأمريكية العملاقة القائمة، وخاصة في قطاع التكنولوجيا.
يجب النظر في كيفية تنظيم سلطات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حالياً للسلوك المناهض للمنافسة من قبل الشركات المهيمنة. لقد أصبحت المفوضية الأوروبية، التي تُعتبر مُتشددة بالفعل، أكثر صرامة – لكن هناك ضوابط وتوازنات تحول دون مبالغتها في ذلك.
تشعر المفوضية بقلق متزايد إزاء استفادة شركات التكنولوجيا العملاقة من خدماتها الأكثر استخدامًا لدعم الخدمات الأقل استخداماً – كما تفعل شركة مايكروسوفت، لذا فإن الاتحاد الأوروبي على وشك سن قانون جديد، وهو ما يُسمى بـ«قانون الأسواق الرقمية»، والذي من شأنه أن يمنع مثل هذا السلوك من قبل المنصات الرقمية – حتى لو كان يعمل على تعزيز المنافسة. لكن محكمة العدل الأوروبية (ECJ)، أظهرت في حكمها الصادر عن خدمة «غوغل للتسوق» في نوفمبر الماضي أنها ستضمن على الأقل عدم حظر سياسة المنافسة في الاتحاد الأوروبي لهذه الممارسة في مختلف مجالات الاقتصاد.
اتفقت محكمة العدل الأوروبية في قرارها مع المفوضية على أن شركة غوغل قد تصرفت بشكل مخالف للمنافسة من خلال استخدام محرك بحثها للترويج لخدمات التسوق الخاصة بها. لكن القضاة حذروا المفوضية ضمنياً من أن الحكم لم يحظر كل هذه الممارسات؟
وبالمقارنة مع الاتحاد الأوروبي، كانت سياسة مكافحة الاحتكار الأمريكية في العقود الأخيرة ضعيفة. على سبيل المثال، يمكن للشركات المهيمنة تحديد أسعار مُرتفعة وفقاً لرغباتها، على افتراض أنها إذا رفعت الأسعار أكثر مما ينبغي، سيقوم المنافسون بخفضها. لقد خدم هذا النهج أمريكا بشكل جيد في الماضي، ولكن من الصعب الآن تبرير هذا النهج – وخاصة في الأسواق الرقمية، حيث لا تزال شركات مثل غوغل بلا منافسين فعليين، على الرغم من فرض أسعار مُرتفعة على تجار التجزئة للإعلان عبر الإنترنت.
ومع ذلك، قد تبالغ أجندة المنافسة الجريئة التي تتبناها إدارة بايدن في التعويض عن التراخي الذي كان سائداً في الماضي – وستكون هذه الأجندة مدفوعة بالقوانين التي من شأنها أن تتجاهل النزعة المحافظة السابقة للمحاكم الأمريكية في قضايا المنافسة. ومن ناحية أخرى، تم تحديد المبادئ الأساسية لقانون المنافسة في الاتحاد الأوروبي في المعاهدات الدولية وتفسيرها من قبل محكمة العدل الأوروبية في أحكام لا يمكن التحايل عليها بسهولة.
لذلك، فإن الاتحاد الأوروبي – على الأقل خارج قطاع التكنولوجيا – يلتزم بمبادئ قانون المنافسة المفهومة جيداً والدائمة. وعلى النقيض من ذلك، قامت وكالات إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة بإعادة تفسير المعايير الغامضة بطرق جديدة، على سبيل المثال من خلال التخطيط لمقاضاة الشركات التي لا تنتهك قوانين المنافسة التقليدية، ولكنها تستخدم ما يسمى بـ «أساليب المنافسة غير العادلة».
واليوم، يبدو أن الإجماع العالمي يتحول نحو سياسة منافسة أكثر صرامة. ولكن في حين ستعمل المحاكم والعمليات التشريعية في الاتحاد الأوروبي على تخفيف الغرائز المتشددة لدى المفوضية الأوروبية، فإن الولايات المتحدة، بحماستها الجديدة لمكافحة الاحتكار، تخاطر بحظر سلوك الشركات والصفقات التي تساعد المستهلكين. لذلك، قد تضطر الشركات الكبرى التي ترغب في سياسة منافسة معتدلة ومستقرة إلى التطلع في المستقبل إلى بروكسل بدلاً من واشنطن.