بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – تدل مسارعة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى عقد لقاء عاجل مع كبير مسؤولي الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيشي الاثنين، إلى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لمسألة عدم تقديم أي طرف دولي أي مساعدة اقتصادية وعسكرية لموسكو، يمكن أن تساعد الكرملين على التفلت من العقوبات الشاملة التي يفرضها الغرب، حزمة بعد حزمة، على روسيا رداً على غزوها أوكرانيا.
وكانت صحيفة “النيويورك تايمز” الأميركية، وقبلها صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية، قد أوردتا أن موسكو طلبت من بكين مساعدات عسكرية واقتصادية، في ضوء العقوبات الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أوروبية وأخرى حليفة لهما على روسيا، منذ دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط (فبراير) الماضي.
وقبل أن يتوجه إلى روما للقاء يانغ جيشي، حذر سوليفان الصين من أن البيت الأبيض “يراقب من كثب لمعرفة إن كانت الصين تقدّم دعماً مادياً أو اقتصادياً لروسيا لمساعدتها في التخفيف من تأثير العقوبات”. وحرص على التأكيد أن واشنطن “لن تسمح لأي دولة بتعويض روسيا الخسائر التي تكبدتها جرّاء العقوبات الاقتصادية”.
وقبل سوليفان، حذرت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو الأسبوع الماضي، من أن الشركات الصينية التي تتحدى القيود الأميركية على الصادرات لروسيا، قد تحرم من المعدات والبرمجيات الأميركية التي تحتاج إليها لصنع منتجاتها.
هذه التحذيرات الأميركية ترمي بوضوح إلى البعث برسالة حازمة إلى الصين، من أن واشنطن لن تتراخى مع أي محاولة لتقديم الدعم لروسيا في هذه المواجهة الدائرة على الأراضي الأوروبية.
وفي الأساس، ثمة تخوف أميركي من أن تترجم موسكو وبكين الشراكة بين البلدين، إلى محور شرقي يقف في مواجهة أميركا والاتحاد الأوروبي.
وفي المقابل، لا تخفي الصين قلقها من تزايد النشاط العسكري الأميركي في المحيط الهادئ. وقد اتهم وزير الخارجية الصيني وانغ يي الأسبوع الماضي واشنطن بمحاولة تأسيس حلف عسكري في المنطقة شبيه بحلف شمال الأطلسي في أوروبا.
وفيما لم يعلن أي مسؤول صيني صراحة عن تأييده الهجوم الروسي على أوكرانيا، فإن المسؤولين في بكين دأبوا منذ بداية الأزمة، على القول إن محاولات أميركا توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً، هي السبب في تدهور الأوضاع.
كما أن أميركا تخشى من استغلال الصين للحرب الأوكرانية وانشغال العالم بها، فتقدم على اجتياح جزيرة تايوان، خصوصاً أن بكين لا تعترف بسيادة الجزيرة وتعتبرها جزءاً لا يتجزأ من البر الصيني.
وفي وقت لا تظهر أي استعدادات صينية غير اعتيادية لشن غزو محتمل لتايوان، فإن الصين أبدت أكثر من مرة استعدادها للاضطلاع بدور الوسيط في الأزمة الأوكرانية. إلا أن أميركا التي ترتاب بالانحياز الصيني إلى موسكو، لن تكون مرتاحة إلى أي دور صيني على الساحة الأوروبية.
وتجدر الإشارة إلى أن الصين أكبر مصدر في العالم، وأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وأكبر مورد أجنبي للبضائع الى الولايات المتحدة. ومن شأن أي ضغط على التجارة الصينية، أن تكون له تأثيرات اقتصادية غير مباشرة في الولايات المتحدة وحلفائها.
والصين، بعد الولايات المتحدة، هي ثاني قوة اقتصادية في العالم. لذلك، فإن أي مواجهة أميركية – صينية، قد تهز أسواق العالم كلها، وستترك تداعيات أخطر بكثير من تلك التي ترتبت حتى الآن على المواجهة مع روسيا.
وأضف إلى ذلك كله، هناك خشية أميركية عميقة من وجود تنسيق روسي – صيني لتحدي النظام العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة. وقد برزت هذه المخاوف من اللقاءات المتعددة التي جرت بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، وآخرها في 4 شباط الماضي عندما أعلن الجانبان عن “شراكة لا حدود لها”.