بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لا تزال الأزمة الناشبة تتأرجح بين الدبلوماسية والتصعيد العسكري الميداني، حيث تسعى موسكو إلى تحقيق أهدافها عبر الحرب أو المفاوضات، فيما تأمل كييف التوصل إلى وقف لإطلاق النار ومن ثم إلى اتفاق يسمح بإنهاء الحرب ووضع أسس جديدة للعلاقات بين الطرفين.
في الأيام القليلة الماضية، صدرت تصريحات عن كلا الجانبين تشير إلى إحراز تقدم في المفاوضات التي بدأت حضورياً على الحدود الأوكرانية البيلاروسية ثم تحولت إلى مفاوضات عبر «الفيديو كونفرنس»، ما أثار نوعاً من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق ثنائي وصل إلى حد الحديث عن إمكانية عقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي وإبرام معاهدة سلام بين الجانبين.
منشأ هذا التفاؤل يعود إلى أسباب متعددة، لعل أبرزها إدراك القيادة الأوكرانية أنها ستظل تقاتل وحدها رغم الدعم الغربي لها والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، بعد عزوف واشنطن وأوروبا ودول حلف «الناتو» مجتمعة عن الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا. وهي تدرك، في النهاية، أنها تخوض حرباً في ظل موازين قوى مختلة أصلاً لصالح دولة عظمى تفوقها بما لا يقاس في العديد والإمكانيات وتستند إلى جدار نووي لا أحد يمكنه الاقتراب منه. ولعل التعبير الأوضح عن هذا الإدراك ما قاله زيلينسكي بصراحة «لم نعد نريد الانضمام إلى ناتو يخشى مواجهة روسيا»، وزاد من هذا الإحباط هو فشل زيلينسكي في إقناع واشنطن و«الناتو» بفرض حظر جوي يقيد حركة الطائرات الحربية الروسية فوق أوكرانيا، وحتى رفض المقترح البولندي بإرسال مقاتلات «ميج 29» إلى كييف للاعتبارات ذاتها وهي عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع موسكو.
قد تكون هذه العوامل من بين أسباب أخرى، منها الوساطة التركية والإسرائيلية، وما قيل عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت نصح زيلينسكي بقبول الشروط الروسية، ما يدفع كييف للجنوح نحو التسوية. وبالمقابل، لا يبدو أن موسكو مستعجلة في حسم الأمور، فهي تنتظر نضج فكرة التسوية لدى القيادة الأوكرانية، وفق رؤيتها هي والتي تتضمن الحصول على حياد أوكرانيا وعدم انضمامها لـ«الناتو» مع تقديم ضمانات أمنية بهذا الشأن، والاعتراف بالقرم وجمهوريتي دونتسيك ولوغانتسك الانفصاليتين، من دون أن تتخلى عن ضغطها العسكري الكبير على كل الجبهات.
ويبدو أن موسكو هي الأخرى تدرك، أن إطالة أمد الحرب، رغم تداعياتها السلبية، والعمل على محاصرة المدن الكبيرة، ربما يكون أقل كلفة من اقتحامها وخوض حرب شوارع فيها، أو اضطرارها لانتهاج سياسة الأرض المحروقة، على غرار ما حدث في الشيشان، والتقدم بعد تدمير كل شيء في طريقها، الأمر الذي قد يدفعها لارتكاب «جرائم حرب» ويثير أسئلة كبرى حول أخلاقيات الحرب ويضع موسكو في مواجهة ليس الشعب الأوكراني فحسب وإنما مع المجتمع الدولي بأسره. بهذا المعنى، تقف الأزمة الأوكرانية على مفترق طرق، إما التصعيد العسكري، أو التوصل إلى حل سياسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.