بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – أما وقد بدأت الحرب العالمية الثالثة فالله وحده يعلم متى تنتهي. والحرب العالمية التي تدور رحاها في القرن الحادي والعشرين لا تشبه بالضرورة الحروب العالمية السابقة، وإن كان من الممكن أن تؤول لما هو أكثر بشاعة منها بكثير. فما يجري بأوكرانيا اليوم ليس مجرد حرب بين جيشي روسيا وأوكرانيا. ففضلًا عن الحرب الاقتصادية والاستخباراتية والمعلوماتية، والاتهامات المتبادلة باستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، تنقل أمريكا وأوروبا اليوم كميات هائلة من الأسلحة بالغة التطور لأوكرانيا. وبذلك، صار الغرب في حرب بالوكالة ضد روسيا، ومعها الصين بالمناسبة.
فالولايات المتحدة نقلت شحنات هائلة من الأسلحة من مستودعاتها في ألمانيا وصفتها «نيويورك تايمز» بأنها «أكبر عملية على الإطلاق» لنقل أسلحة أمريكية «إلى دولة أخرى». ووافق الكونجرس منذ أيام على مساعدات عسكرية وإنسانية لأوكرانيا تصل قيمتها إلى 13.5 مليار دولار. والاتحاد الأوروبي ينوي تقديم أسلحة مقدارها نصف مليار يورو. لكن المسألة لا تتوقف عند ذلك الحد. فرغم أن الولايات المتحدة أعلنت بوضوح أنها لن ترسل جيشها لأوكرانيا إلا أنها أرسلت 15 ألف جندي إضافي لأوروبا بعد اندلاع الحرب ليصل العدد الكلي لقواتها بالقارة إلى أكثر من 100 ألف جندي. والمجر وكرواتيا كانتا أول من دخل على خط المواجهة بعد أن عبرت طائرة دون طيار الأجواء المجرية ثم الكرواتية قبل أن تسقط قرب عاصمة كرواتيا، التي وجهت رسالة شديدة اللهجة للناتو لتقاعسه.
والحرب استقطبت الشركات العسكرية الخاصة الأمريكية والأوروبية التي تُصدّر المرتزقة لمواقع الحروب. فقد نشرت «بي بي سي» تقريرًا تضمن نص الإعلان الذي نشرته إحداها تطلب «عسكريين سابقين ناطقين بعدة لغات ومستعدين للسفر سرًا لأوكرانيا» للعمل مقابل 2000 دولار في اليوم الواحد. وتلك الشركات، مثل بلاك ووتر الشهيرة، مسؤولة عن فظائع إنسانية، كالتي حدثت بالعراق، ولا تخضع للمساءلة. ووجود تلك الشركات على الأرض لا يعني فقط وجود المرتزقة، وإنما يعني أيضًا نقل المزيد من الأسلحة علنًا وسرًا.
والأخطر هو ما سُمي «المتطوعين» للحرب. وتكمن الخطورة في أنه الباب المفتوح على مصراعيه «للجهاد» على الطريقة الأوروبية! ومن لم يدرس التاريخ لا يفهم دلالات الحاضر. فالجهاد على الطريقة الأوروبية له علاقة وثيقة بطبيعة الاستعمار الغربي. فهو كان يتحدث يومًا عن «عبء الرجل الأبيض»، بمعنى أن المستعمر عليه أن يتولى أمر «الهمج»، من أمثالنا من غير البيض، وتعليمهم معنى الحضارة! وأغلب أولئك المتطوعين ينتمون لمنظمات تفوق البيض الأوروبية والأمريكية، ويطلقون على أنفسهم اسم «المحاربين الأجانب». والهدف المباشر هو مساعدة الجيشين الأوكراني والروسي، لكن الهدف الأكثر عمقًا هو إنقاذ أوروبا، «البيضاء» طبعًا، من الانقراض. وقد صارت فرق تفوق البيض قوة ضاربة داعمة للجيش الأوكراني. فحين وصل زيلينسكي للحكم سعى للقضاء على تلك المنظمات، وعلى رأسها تلك المعروفة باسم «آزوف». وحينما فشل في ذلك سارع للتحالف معها وضمها للجيش في حربه الضروس الممتدة منذ سنوات في الشرق ضد الانفصاليين الموالين لروسيا. والمقاتلون «الأجانب» من أنصار التفوق البيض يحارب بعضهم الآخر في صفوف الروس. فروسيا هي، عندهم، «الملهم» في كفاحهم للحفاظ على «العرق الأبيض».
بعبارة أخرى، فإن الحرب العالمية الثالثة التي بدأت حربًا روسية لمنع أوكرانيا من دخول حلف الأطلنطي والتحالف الوثيق مع الغرب من الممكن أن تؤول في النهاية لحرب عنصرية في أوروبا تخرج عن السيطرة، فتتحول لحرب ضد كل من ليس أبيض في أنحاء المعمورة!