بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- لا شك في أهمية الموقف الصيني تجاه الحرب الدائرة في أوكرانيا، ليس فقط لأنها تتقدم بثبات نحو قمة النظام الدولي، ولكن أيضاً لأنها متغير بالغ الأهمية في الصراع الراهن تحديداً. ويكفي أن الولايات المتحدة وحلفاءَها قد اعتمدوا العقوبات أداة أساسية لإجبار روسيا على تغيير سلوكها، وأن الصين كقوة اقتصادية كبرى بمقدورها أن تُخفف كثيراً مِن وقع هذه العقوبات. ويلاحَظ أن الصين في الظاهر قد اتبعت تجاه العملية العسكرية الروسية سياسة متوازنةً، فعقب بدء العملية أبلغ وزير الخارجية الصيني مسؤولين أوربيين بأن الصين تحترم وحدة أراضي الدول وسيادتها بما في ذلك أوكرانيا، لكن ينبغي التعامل بشكل مناسب مع المخاوف الروسية. وقد تُرجم هذا الموقف المتوازن في امتناع الصين عن التصويت على مشروع القرار الذي أسقطه “الفيتو” الروسي. وتكرر الامتناع الصيني بالنسبة لمشروع القرار الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة (141 صوتاً) والذي شجب العملية العسكرية الروسية بأشد العبارات وطالب روسيا بالكف عن استخدام القوة ضد أوكرانيا والسحب الكامل والفوري وغير المشروط لقواتها! ويمكن القول إن هذه المؤشرات وغيرها على توازن الموقف الصيني لا تعني أن الصين ستتخلى عن روسيا، ولكنها ترجع إلى أن الصين كقوة كبرى تنافس الولايات المتحدة على قيادة العالم حريصة، كما كانت دائماً، على الحفاظ على صورتها كدولة تحترم الشرعية الدولية ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول وعلى استخدام أساليب القوة الناعمة -كمبادرة الحزام والطريق- في سعيها نحو القمة. وإن كان هذا لا ينفي إظهارَها “العينَ الحمراء” عند اللزوم في مواقفها من القضايا التي تنطوي على مصالح حيوية لها كما في أمن بحر الصين الجنوبي.
ويؤكد هذا أن أسس التعاون الصيني الروسي ليست خافية، ومعروف أن الرئيسين الروسي والصيني أصدرا في الشهر الماضي، عقب القمة التي جمعتهما في بكين، بياناً مشتركاً أجمع المحللون على أنه بمثابة “مانيفستو” للنظام الدولي الجديد في مواجهة النظام القائم الذي تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على انفرادها بالصدارة الدولية فيه على رأس التحالف الغربي. واتساقاً مع هذا، وصف وزير الخارجية الصيني، بعد قرابة أسبوعين من بدء العملية العسكرية الروسية، علاقة بلاده بروسيا بأنها الأكثر أهميةً، مشبِّهاً صلابتَها بالصخر، ومؤكداً الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وفقاً للمعاهدة التي احتُفل العام الماضي بمرور 20 عاماً على إبرامها. والواقع أن الصين، وإن تجنَّبت التأييدَ المباشر للعملية الروسية، لا يمكن إلا أن تكون صاحبةَ مصلحة في انتصار روسيا في الأزمة الحالية، بل إنها مستفيدة منها من كافة الجوانب؛ فالنزال الروسي الحالي أولاً يخفف عنها عبء التركيز الأميركي على عرقلتها في صعودها للقمة، ويضيف إليها في هذا السباق نقاطاً نتيجةَ كسر الهيبة الذي نجم عن التحدي الروسي المباشر للسياسة الغربية التي تجاهلت المطالب الروسية، فلما وقعت الواقعة رفضت هذه السياسة بإصرار التدخل في المواجهة بحجة أن أوكرانيا ليست عضواً في حلف الأطلسي، علماً بأن سجل الحلف مليء بالتدخلات في دول ليست أعضاءَ فيه كما حدث في يوغوسلافيا السابقة.
وأخيراً، فلما كان السيناريو المرجح هو انتصار روسيا في المواجهة الراهنة، وإن بتكلفة لا يستطيع أحد تقديرها بدقة الآن، فإن الصين قد تحقق فائدةً جانبية من هذه المواجهة إذا زادت تكلفة الانتصار الروسي إلى الحد الذي يجعل لها اليد العليا في تحالفها القائم مع موسكو، والله أعلم.