بقلم: عماد العباد – صحيفة “الرياض”
الشرق اليوم – لم يكد العالم المريض يتعافى من جائحة كورونا التي ظل يصارعها لأكثر من عامين؛ حتى دقت طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا مع مخاوف من دخول أطراف أخرى لتتحول إلى كونية تأكل الأخضر واليابس وتعيد البشرية قروناً إلى الوراء.
الواضح حتى الآن أن العالم لن ينجر لحرب عالمية. لحسن الحظ؛ مازالت ذاكرة العالم الحذرة تستحضر بشاعة ما حدث خلال النصف الأول من أربعينات القرن الماضي، ومازالت تتذكر أيضاً مقدار الدموع والعرق والدماء التي بُذلت لإعادة بوصلة البشرية نحو الحضارة.
الحرب، تلك الممارسة الهمجية التي لم يستطع الإنسان الحديث بكل تحضره ورقيه وتقدمه أن يتخلص منها، ربما تكون المنتج الشيطاني الأكثر دهاء، إذ إن كل طرف لديه مبرراته، وعادة ما تكون العقول المدبرة لها بمأمن عن تداعياتها، ومن يسحق فيها هم الأبرياء الذين لا يعلمون لماذا باتت أعناقهم تطؤها بساطير الجنود بين ليلة وضحاها.
المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام لأطفال ونساء ورجال يحاولون النوم في الملاجئ مؤلمة. عوائل كانت تنعم بالأمان، تذهب كل صباح إلى أعمالها ودكاكينها ومدارسها أصبحت فجأة بلا حياة كريمة. لا تكاد تغمض عيونها خوفاً من صاروخ طائش أو دبابة تنسف كل ما يعترضها. الكل يحمل سلاحه، وكل طرف لديه مبرراته التي تجعله يقتل دون شعور بالذنب.
المقلق في اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا هو أنها أعادت فتح باب ظن العالم أنه أغلق، كان الكثيرون يظنون أن حدود الدول أقرت والنظام العالمي أصبح ناضجاً وأن التوترات بين الدول ستظل في قالب بارد، أو اقتصادي أو تتحول في أسوأ حالاتها إلى حروب رقمية، أما النزال وأزيز الرصاص وهدير الطائرات وأصوات الدبابات فقد ظننا أنها أصبحت من الماضي، مجرد مشاهد نراها في الأفلام أو نسمعها في القصص، لكن ما حدث ربما يفتح ملفات كانت مقفلة بين بعض الدول، وقد تتوالى سيناريوهات تشبه ما يحدث الآن بين الروس والأوكرانيين. والمخيف أن أكثر من دولة تحمل الآن بين يديها أسلحة نووية قد تدمر الحياة بكل أوجهها.
ردود الفعل العالمية الهادئة، وضبط النفس قد لا يطولان كثيراً، فقواعد اللعبة قد تتغير في أيام، لكن التعويل ربما يكون على تماسك الشعوب وتوحد صفوفهم خصوصاً أن أصواتهم أصبحت قوية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل قدرتهم على الضغط تساهم في نزع الفتيل المشتعل.