بقلم: د. عبدالحق عزوزي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – حذَّرت فرنسا قبل أيام من الآن، على لسان وزيرها للاقتصاد برونو لومير، من أن أزمة الطاقة الحالية، والتي تترافق مع ارتفاع كبير في الأسعار، «شبيهة في حدتها بالصدمة النفطية في العام 1973». وتشهد أسعار النفط والغاز ارتفاعاً كبيراً منذ بدء الأزمة في أوكرانيا في 24 فبراير المنصرم، وما تبعها من إعلان الولايات المتحدة حظر واردات النفط والغاز الروسيين. زد على ذلك أن دولا عربية كثيرة تعتمد على استيراد القمح الروسي والأوكراني، ستواجه تحدياً كبيراً لضمان إمداداتها بهذه المادة الحيوية، في ظل الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية الواسعة المفروضة على موسكو. كما أن التداعيات تختلف حسب كل دولة، فعلى المدى القصير فإن أكثر الدول تضرراً هي لبنان واليمن، أما على المدى المتوسط فهناك دول مثل مصر ستكون في حاجة كبيرة لدعمها بالقمح.
والصحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي مرت أو ستمر فيها الإنسانية بأزمات، سواء أكانت اقتصادية أو تجارية، بل إنه ومنذ أن تمكنت الرأسمالية من السلطة، بدت الأزمة حالة طبيعية. غير أن العالم يعيش صدمات قوية واضطرابات كبيرة وتغيرات خطيرة تؤدي إلى تبدُّل الميكانيزمات التجارية والاقتصادية والمالية الدولية.
وفي هذه المقالة تعود بي الذاكرة إلى ما جرى في بداية شتاء عام 2006، عندما وجدت العديد من الأسر الأميركية الأكثر فقراً، والتي عرضت عليها القروض العقارية الرهنية، نفسَها غير قادرة على سداد ديونها. وبدأت البنوك في مصادرة الممتلكات، كما بدأ المالكون المثقَلون بالديون في بيع ممتلكاتهم قبل أن تصادرها البنوك، مما أدى إلى عدم التوازن بين العرض والطلب في سوق العقار وانخفضت الأسعار. وهكذا، وجدت البنوك ومضاربوها «الانتحاريون» أنفسهم أمام مساكن مصادرة وغير قابلة للبيع، وباستثمارات لا قيمة لها، إضافة إلى مشاكل السيولة.
في بداية سبتمبر 2008، تحولت أزمة الرهون العقارية إلى أزمة بنكية، وانهار البنك الأميركي الشهير «ليمان براثرز». ويرجع سبب هذا الفشل بالطبع إلى الاستهلاك القوي للأصول الموجودة في محافظ الرهون العقارية. وبلغت الخسائر حداً مهولا، وكانت النتيجة حصول ذعر شامل أصاب القطاع البنكي بصفة عامة. وبانهيار هذا البنك العملاق وبتأثير الدومينو، انخفضت أعمال البنوك الأخرى مؤديةً إلى انخفاض حاد في المراكز المالية الدولية الرئيسية.
ثم عبَرت الأزمةُ، وإن بشكل بطيء لكنه واضح ومؤكد، من الولايات المتحدة الأميركية إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي كي تصل إلى البنوك الأوروبية الكبرى، وهناك أيضاً بدأت تختفي الثقة تدريجياً كما ارتفعت البطالة وأضر الركود بالميزانيات العامة للدول مع تراجع في النفقات.
إن أزمة القروض، وأزمة الديون السيادية، والأزمة الاقتصادية المنبثقة عن الصراع الروسي الأوكراني، وغيرها من الأزمات، هي فصول لنفس القصة. إنها المرحلة الاستثنائية لعالم اليوم والذي أصبح خارج السيطرة، مُنذِراً بأشهُرٍ وسنواتٍ عجاف على العديد من الدول وعلى النظام العالمي بأسره.