الرئيسية / مقالات رأي / الصين في الصراع الغربي الروسي

الصين في الصراع الغربي الروسي

بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- كانت تحليلات الأوساط الاستراتيجية، من خبراء ومحللين ومفكرين ورجال سياسة بارزين، قد أولت الاهتمام الأكبر لتنامي الصراع الأمريكي الصيني، فمنذ بدء الولاية الثانية للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بدا أن واشنطن قد وضعت الصين في خانة العدو رقم واحد، وأنها ذاهبة للتّخلي والانفكاك التدريجي عن بعض الساحات المهمّة لها تاريخياً، مثل منطقة الخليج، وقد ازداد الصراع الأمريكي الصيني حدّة مع تولي الرئيس دونالد ترامب للحكم؛ حيث ذهب إلى فرض عقوبات تجارية قاسية ضد بكين، في الوقت الذي كان فيه الخطاب السياسي الأمريكي، يتعاطى مع روسيا ببراغماتية شديدة؛ من حيث تنويع سلّة الخيارات في العلاقة معها.

 بعد الانتخابات الأمريكية في عام 2016، اتُهمت روسيا بالتدخل الإلكتروني في الانتخابات، لمصلحة المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، في مواجهة هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية، وقد أصبح التدخل السيبراني الروسي في الإعلام والسياسة الغربيين أمراً مألوفاً منذ سنوات، إضافة إلى تدخلها العسكري في سوريا والقرم، وهو ما دفع وزارة الدفاع الأمريكية إلى إعادة تصنيف روسيا كتهديد من الدرجة الأولى، إلى جانب الصين، لكن العين الأمريكية، الحارسة لمصالح الرأسمالية الأمريكية، بشركاتها العابرة للقارات، بقيت موجّهة نحو الصين بشكل رئيسي، فما يهدد الرأسمالية الأمريكية، هو القوة الصينية التي أصبحت تحتل المرتبة الثانية عالمياً، من حيث الناتج القومي، ومشروعها العالمي، المتمثّل ب”مبادرة الحزام والطرق”، لربط الأسواق التجارية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.

 تاريخ العلاقات بين الثلاثي العالمي، أمريكا والصين، وروسيا (وريث الاتحاد السوفييتي)، هو تاريخ حافل بالصراع والتناقضات، وقد شكّلت فيه الولايات المتحدة المحور الأساسي، ففي النصف الأول من خمسينات القرن الماضي، كانت الصين تنظر بعدم الرضا العلني إزاء التعايش السلمي بين الاتحاد السوفييتي والغرب؛ بل إنها وصفت ذلك التعايش بأنه “ردّة على الماركسية”، التي تجمع بين النظامين الشيوعيين في موسكو وبكين، وفي قلب الخلاف الأيديولوجي السوفييتي الصيني، كان هناك صراع على قيادة الحركة الشيوعية في العالم، وكسب ولاءات اليسار في شتى أنحاء العالم، لكن في الوقت نفسه، استفادت الولايات المتحدة من الخلاف بين القطبين الشيوعيين، من أجل زيادة وتعظيم مكاسبها، والمحافظة على مستوى من التوازن بين الأقطاب الثلاثة.

 في المواجهة الراهنة بين واشنطن وحلفائها الغربيين وبين روسيا، هناك العديد من الأسئلة حول موقف الصين إزاء هذا الصراع، خصوصاً أن الصين، خلال السنوات الأخيرة، ظهرت في بعض المسائل أقرب إلى وجهة النظر الروسية، تحديداً في استخدامها لحقّ النقض “الفيتو” في مجلس الأمن، إلى جانب روسيا، في ما يتّعلق بالمسألة السورية، كما أن زيارة الرئيس فلاديمير بوتين للصين في فبراير/ شباط الماضي، أظهرت حالة من التوافق بين البلدين حيال “السياسات غير الودية للغرب”، وتوقيعهما لاتفاقيات عديدة، خصوصاً في مجال النفط والغاز.

 في التصويت على نصّ قرار ضد روسيا في مجلس الأمن، امتنعت الصين عن التصويت، ولم تستخدم حقّ النقض، لكنها في الوقت ذاته، امتنعت عن استخدام توصيف العمل العسكري الروسي ضد أوكرانيا بأنه “اجتياح” أو “غزو”، تاركة لنفسها هامشاً من المناورة بين الطرفين، وإمكانية لعب دور الوساطة من جهة؛ بل وربما الاستفادة من الصراع من جهة أخرى؛ إذ إنه بالعودة إلى تاريخ العلاقات بين الصين والاتحاد السوفييتي، فإن رفض الصين “للنهج السلمي للاتحاد السوفييتي مع الغرب”، تحوّل إلى تقارب صيني أمريكي، في مطلع سبعينات القرن الماضي، والذي كان نتيجة لحدوث تحوّلات في السياسات الصينية، وبداية للانفتاح على العالم الرأسمالي، وهو ما مكّنها من التحول إلى عملاق اقتصادي، مندمج ومؤثر كبير في السوق الرأسمالية.

 يبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة نحو 588 مليار دولار سنوياً، وبين الصين والاتحاد الأوروبي نحو 590 مليار دولار (532 مليار يورو)، وتعدّ الصين الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي، بينما يبلغ التبادل التجاري بين الصين وروسيا نحو 146 مليار دولار، وبالتالي فإن الاقتصاد والتجارة الصينيين يعتمدان بشكل كبير على الأسواق الأمريكية والأوروبية، مقارنة بروسيا، يضاف إلى ذلك، شبكة التحالفات المعقّدة لواشنطن حول العالم، وهو ما يجعل من مصلحة الصين عدم الانخراط كطرف إلى جانب موسكو، في مواجهتها الراهنة للتحالف الأمريكي الأوروبي.

 إن أحد أهم السيناريوهات غير المستبعدة، قياساً إلى تاريخ الصين مع الغرب وموسكو، هو أن تستفيد الصين من المواجهة الحالية، وتحويلها إلى فرصة، من أجل إعادة بناء نظام دولي ثنائي القطبية، تكون الطرف الثاني فيه، إلى جانب واشنطن، على حساب إضعاف روسيا، ووضع قواعد جديدة للتنافس في سوق العمل الدولي.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …