الرئيسية / مقالات رأي / متى تحظر «ميتا» الكراهية… ومتى تؤججها؟

متى تحظر «ميتا» الكراهية… ومتى تؤججها؟

بقلم: د. ياسر عبد العزيز – الشرق الأوسط

الشرق اليوم – لن تمضي هذه الحرب الروسية – الأوكرانية من دون أن تُخلِّف خراباً وقتلاً وخسائر موجعة، وهو أمر مفهوم بطبيعة الحال، فلطالما كان هذا شأن الحروب وديدنها؛ لكن تلك المعركة بالذات سيكون لها آثار أبعد، وفي بعض تلك الآثار ما سيلقي بظلال على الحالة الإعلامية المواكبة لأعمال القتال، وما يؤججها من أفعال السياسة ونزاع الإرادات.
سيمكننا أن نحدد نطاقين إعلاميين رئيسين توزع عبرهما الجهد الإعلامي المواكب لتلك الحرب الخطيرة: أولهما يتجسد في وسائل الإعلام «التقليدية»، وتلك ارتضت بحصة من التأثير والمتابعة لم تتجاوز نصف الحالة الإعلامية الإجمالية المواكبة للحدث الحيوي، بينما استأثر نطاق ما يُسمى «وسائل التواصل الاجتماعي» ببقية جهود المتابعة والتأثير.
سيتداخل النطاقان بكل تأكيد، وسيعتمد أحدهما على الآخر، وستدور النصوص والصور والمقاطع المرئية ومعها المشاعر عبر كليهما؛ حيث سيخضع النطاق الأول لضبط وتقييد صارمين، بينما سيظل النطاق الثاني عصياً على الضبط والإحكام، استناداً إلى طبيعته والآليات التي يعتمدها في الوصول إلى جمهوره، وإشراكه في بناء المواد المتداولة وما يصاحبها من تصورات.
لكن طبيعة النطاق «السوشيالي» لا تتحدد فقط من خلال تعيين سمات المستخدمين وطرائق البث والذيوع؛ بل هي رهينة أيضاً لسلطة المُشغِّلين الذين اضطروا في مراحل سابقة إلى اجتراح آليات للضبط والتأثير في المحتوى. وفي هذا الصدد، أضحى بإمكاننا التحدث عن قواعد ومعايير وسياسات تشغيل أرستها شركات التكنولوجيا العملاقة، القائمة على تشغيل تلك الوسائط الرائجة، وهي في سعيها هذا حاولت أن توازن بين مقتضيات الإتاحة والحرية وصيانة ممكنات التفاعل، وبين اعتبارات قانونية وأخلاقية، قالت إنها حريصة على حمايتها وإدامتها.
ولأن «الشيطان يكمن عادة في التفاصيل»، ولأن القواعد المُجردة التي تبدو رشيدة وعادلة، كثيراً ما تُواجَه بالانتقاد، ويداخلها العوار حين تُطبَّق على أرض الواقع، فقد تلقت تلك الشركات العملاقة كثيراً من النقد؛ لأنها «استخدمت معايير مزدوجة» في مساعيها لضبط المحتوى المُرَوَّج عبر وسائطها، وأنها مالت في سعيها ذلك نحو هذا الطرف أو ذاك.
في مايو (أيار) الماضي، اندلعت موجة من الاشتباكات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على خلفية إجلاء السلطات الإسرائيلية عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح بالقدس. وفي مواكبته للروايات والإفادات المصاحبة للنزاع، أظهر «فيسبوك» صلابة واضحة في الانتصار لبعض المعايير التي ادعى أنها ضرورية لصيانة «الحياد»، ومنع «خطابات الكراهية والتحريض على العنف»؛ ومنها تقييد المحتوى الذي «ينطوي على كراهية في استهدافه للجانب الإسرائيلي بالنقد، أو يدعو إلى تمجيد العنف».
وبسبب هذه الصلابة، اضطر المتفاعلون عبر «فيسبوك» -وغيره من الوسائط- للتحايل على الإجراءات التقييدية الصارمة ضد المحتوى الناقد للسلطات الإسرائيلية. ومن بين ما فعلوه في هذا الصدد كتابة التعليقات بحروف مُقطَّعة، أو بالمزج بين الإنجليزية والعربية لتفادي الحظر، أو حتى بكتابة الحروف العربية من دون تنقيط.
وفي سعيه اللافت لإقرار سياساته وتكريس قيوده، تورط «فيسبوك» أحياناً في منع خطابات أخفق مجلس حكمائه لاحقاً في تسويغ قرارات منعها، ما حمله على إعادة نشرها؛ بل إنه أوصى أيضاً بـ«تحقيق مستقل» في اتهامات طالته بـ«التحيز» في مواكبة تلك الأزمة.
نحن ندرك بالتأكيد أن الحق في حرية الرأي والتعبير، وفي إعلام حر منفتح بلا أي رقابة أو تضييق، يستلزم صيانة جملة أخرى من الحقوق؛ من بينها منع التحريض على العنف، أو بث الكراهية، وبطبيعة الحال الحق في صيانة المصالح الوطنية وحماية أمن الدول. لكن الشكوك ستتصاعد في سلوك شركات التكنولوجيا العملاقة حيال حرية الإعلام كلما كان هذا السلوك انتقائياً يكيل بعدة مكاييل، وسيسود الاعتقاد في سلامة منطلقات هذا السلوك كلما كان مستقيماً ومتسقاً وعادلاً.
وفي الأسبوع الماضي، صدر إعلان لافت ومثير للاهتمام عن شركة «ميتا»، المالكة لـ«فيسبوك»، عندما حاولت الرد على كشف وكالة «رويترز» عن خطابات داخلية، استهدفت حث مشرفي المحتوى على السماح ببث إفادات تحريضية وممجدة للعنف ضد الجنود والمسؤولين الروس.
فقد نقلت وسائل الإعلام عن آندي ستون، المسؤول عن الاتصالات في «ميتا»، قوله إنه «بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، سمحنا مؤقتاً بأشكال من التعبير السياسي تنتهك في العادة قواعدنا المتعلقة بالخطاب العنيف؛ مثل (الموت للغزاة الروس)».
لكل حرب منطقها، ولكل أزمة دولية تفاصيلها الخاصة وسياقها المميز عما سواه؛ لكن كسر القواعد المُعلنة التي تحظى بقدر مناسب من التوافق الأممي، بسبب الميول السياسية ومقتضيات المصالح، سيُعمِّق أزمات تلك المنصات، وسيجرِّدها من إمكانية التذرع بقيم وأدوار؛ مثل العدالة والحوكمة والمساهمة في إرساء السلام.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …