بقلم: محمد واني – العرب اللندنية
الشرق اليوم – اللخبطة السياسية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ فترة طويلة جراء السياسة الأميركية الرامية إلى إقامة مشروعها الاستراتيجي “الشرق الأوسط الكبير” عبر نشر الفوضى الخلاقة لإعادة ترتيب المنطقة وصياغتها من جديد وفق مصالحها الحالية، انتقلت إلى قلب أوروبا، عبر البوابة الأوكرانية التي غزتها روسيا في الرابع والعشرين من فبراير، لتتوسع رقعتها شيئا فشيئا وتشمل كافة الدول الأوروبية دون استثناء. بالضبط كما جرى لدول الشرق الأوسط.
نفس السيناريو يتكرر، إن لم يكن بشكل أسوأ؛ عندما اجتاح العراق الكويت عام 1990، لتمتد التأثيرات السلبية لاحقا إلى المنطقة برمتها، وتتصاعد فيها وتيرة الفوضى، غير الخلاقة، عقب ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010، وتتساقط أنظمة وتظهر أنظمة أخرى وأزمات تتبعها أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية، لم تهدأ إلى حدّ الآن.
وطبعا الأحداث اللاحقة، سواء في الشرق الأوسط أو في أوكرانيا أو أوروبا، لم تأت عفوية ولا طبيعية أبدا، بل كانت متعمدة ومدبرة ومخططا لها بإحكام للوصول في النهاية إلى غايات وأهداف استراتيجية معينة تصب في صالح القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. المعطيات الأولية للأحداث تشير إلى أن الدول الأوروبية مقبلة على تسونامي سياسي كبير قد يغير من شكلها التقليدي القديم، على غرار التغييرات التي طرأت على الشرق الأوسط .
ولكي لا نُتّهم بتبني نظرية المؤامرة فإننا نظهر بعض الإشارات ذات المغزى التي خرجت من الموجات التسونامية المتتابعة التي ضربت العالمين العربي والإسلامي، والآثار الخطرة التي خلفتها والتحولات السياسية والاقتصادية التي أثرت فيهما بشكل عميق، وهو ظهور إيران بصورتها الراديكالية في الساحة وانتشارها السريع في لبنان والعراق واليمن وسوريا، والهيمنة على هذه الدول من خلال ميليشياتها وفصائلها المسلحة، التي يربو عددها في العراق وحده عن 70 فصيلا مسلحا، تبث الفوضى في المنطقة تحت سمع الولايات المتحدة وبصرها ودون أن تتحرك ساكنا.
هذا الموقف المريب يمثل لغزا محيّرا. لماذا تسمح الولايات المتحدة لإيران بالاستفراد بدول المنطقة، إن لم يكن ثمة توافقا استراتيجيا بينهما؟
وكذلك الأمر بالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وظهوره المفاجئ والمتكرر على المسرح السياسي والعسكري في المنطقة كلما اقتضت الحاجة إليه، هو أيضا يشكل لغزا يضاف إلى جملة الألغاز العجيبة التي تفاجئنا بها لوبيات المصالح وأصحاب الاستراتيجيات العالمية المهيمنة على مصائر الشعوب. لا يوجد لهذه الألغاز جواب مقنع..
هل كانت روسيا تجرؤ على التدخل في سوريا، بقضها وقضيضها، لدعم نظام بشار الأسد ضد المعارضة وتتوغل في إبادة الشعب السوري دون تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى؟
لا أستبعد أن يتكرر المشهد السوري في أوكرانيا بأبعاده المأساوية الإنسانية والسياسية والاقتصادية، لتستمر الأزمة لفترة طويلة. والبطل في كلا المشهدين واحد هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما المايسترو الذي يدير ويوجه هو واحد دائما؛ الولايات المتحدة.
ما أريد الإشارة إليه هو أن التغييرات المفاجئة التي جرت في البنية السياسية والاقتصادية للمجتمعات العربية، وما يحدث في أوكرانيا حاليا، وما قد يحدث في أوروبا فيما بعد، يخرج جميعه من مصدر واحد هدفه نشر القلاقل والفوضى في العالم وليس فقط في الشرق الأوسط، وهو منسجم ومتوافق تماما مع أبعاد مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس عام 2006.