الرئيسية / مقالات رأي / التنافس على النفوذ بين روسيا وأوروبا

التنافس على النفوذ بين روسيا وأوروبا

بقلم: د. علي الخشيبان – صحيفة “الرياض”


الشرق اليوم – تكشف الحرب القائمة بين روسيا وأوروبا أن هناك سيناريوهات كبرى تقف خلف التنافس الكبير على النفوذ في منطقة جغرافية مهمة في العالم بتاريخ طويل من الصراعات السياسية والعسكرية، لذلك بنى المشروع الأوربي تاريخيا ضد السياسة، حيث لعب التاريخ الطويل من النزاعات بين الدول الأوربية دورا مهما في تفادي أن تكون أوروبا أمة من جديد، بل تم التعامل على أن تتحول أوروبا إلى دول تجمعها المصالح الاقتصادية المشتركة بشكل دقيق.
الأوروبيون يرون أنه باعتمادهم المتبادل مع روسيا سيؤدي ذلك في النهاية إلى خلق مواطن ضعف بالنسبة لهم ولحلف الناتو، وأن ذلك سيجعل روسيا تسارع إلى استغلال ذلك الاعتماد المتبادل بينها وأوروبا وتحويله كورقة مهمة في التنافس الجيوسياسي على خارطة الحدود الأوروبية الروسية، كما يعتقد الأوروبيون أن الروس يصعب عليهم البناء في علاقات وتحالفات مع أوروبا، وهناك مقولة مهمة يرى فيها الأوربيون محورا مهما للتعامل مع الروس ومعناها الدقيق “أن حلفاء روسيا هم جيش وبحرية روسيا فقط”.
والصورة القائمة حاليا مع انطلاقة الحرب بين أوكرانيا وروسيا تحقق هذه النظرية، فالعقوبات الاقتصادية على روسيا معادلة أمريكية أوروبية ستؤدي في النهاية إلى خلق البدائل المناسبة للأوروبين وتقليل الاعتماد على روسيا، وتحويل الحرب إلى فرصة استثمارية لفرض عقوبات على موسكو وعزلها اقتصاديا، فأوروبا تعتقد أن عليها الدفع بروسيا إلى الخلف بقوة حتى لو غامرت في تقليل الاعتماد عليها عبر محاصرة الخريطة الواسعة من الاعتماد المتبادل مع روسيا وكل ذلك سيؤدي بالنهاية إلى إضعاف الأهداف المشتركة بينها وروسيا.
ما بعد الحرب ستكون الصورة السياسية والاقتصادية مختلفة وستفتح الطرق الروسية على فرص ومسارات جديدة في العالم في حال انتصرت في أوكرانيا، ولكن الحقيقة التي يجب أن نعيها أن نتيجة الحرب ستكون المعيار الأكثر قوة للتصورات الدولية والنظام العالمي الجديد، فبقاء روسيا قوة عظمي مهم للتوازن الاستراتيجي الدولي، ولكن هزيمة روسيا في سياق تاريخي تعني ولادة نظام عالمي “متمرد” حتى على أوروبا التي تتعامل مع هذه الحرب بحذر شديد، فهي تريد روسيا ولكن بمعاييرها الخاصة، وفي المقابل يريد بوتين أن ينشئ مزيدا من الملفات السياسية الخارجية ليضمن زيادة في تأثير روسيا الدولي وهي التي ما زالت تمتلك الكثير من الأدوات التي تمكنها من استمرارها في لعب دور عالمي أكثر تأثيرا.
أندريه كورتونوف وهو باحث روسي قال في مشاركة له في أحد المؤتمرات التي كنت أحد حضورها: “إنه يمكن تشبيه روسيا وأوروبا مثل الفيل والحوت، كل يعيش منهما في بيئة مختلفة تماما، وإن كان يجري المقارنة بينهما بالحجم. بحسب وجهة نظر روسيا فهي ترى أوروبا تتراجع، وأنها قوة آفلة، وفي المقابل يرى الأوروبيون أن روسيا تواجه العديد من الأزمات الداخلية، وأنها معرضة للمخاطر، ومن الضروري معرفة أن كلا وجهتي النظر هاتين خاطئة.”
أوروبا وروسيا بهذه الحرب تدقان آخر المسامير في نعش النظام العالمي الحالي، وما قبل الحرب هو شكل مختلف عما بعدها وستواجه القضايا الجيوسياسية على المستوي الدولي خللاً كبيراً لا يمكن التنبؤ بنتائجه المستقبلية وسيكون من المبكر دولياً استقبال نظام عالمي ثنائي القطب تتزعمه أمريكا والصين لم تنضج أدواته ومعاييره بعد.
ستعاني أوروبا في حالة هزيمة روسيا في هذه الحرب من استقطاب صيني أمريكي، فأوروبا ومهما بدت متفاعلة مع حلف الناتو إلا أنها لا ترغب في الوقوع تحت السيطرة الأمريكية الكاملة، وفي المقابل لن ترضى أمريكا أن تشاهد الصين وهي تتمدد في أوروبا، وأي ولادة مفاجئة وسريعة لنظام دولي ثنائي الأقطاب سيكون كارثة دولية في هذا التوقيت، ولذلك تحارب روسيا ومعها أوروبا في الخفاء سياسيا من أجل مشاهدة عالم متعدد الأقطاب يمكنه أن يستوعب القوى الدولية التقليدية والناشئة، المستقبل سيكشف لنا حجم الأخطاء التي ارتكبتها أوروبا وحلف الناتو وروسيا بجعل أوكرانيا منطقة صراع لأنه من الصعب أن يجد العالم نفسه أمام أوروبا بدون روسيا والعكس صحيح.
التنافس الصيني الأمريكي سيكون مضطرا إلى التعامل مع نتيجة الحرب مهما كانت، وفي المقابل سيتشكل النظام العالمي معتمدا بشكل كبير على نتيجة هذه الحرب والسيناريوهات القائمة في إطار التنافس الصيني الأمريكي لها تأثيراتها على العالم وخاصة الشرق الأوسط والدول الخليجية ذات المصالح العالية في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، ما يعنى أن العالم سيكون أمام خيارات أكثر في بناء منظومة السلام العالمي وبناء الاقتصاد الدولي الذي إذا لم يخرج من سياسات الاحتكار والأقطاب سيعاد تشكيل العالم وفق نظرية أكثر قسوة على الاقتصادات الناشئة وإمدادات الطاقة لذلك يتطلع العالم إلى نظام عالمي متوازن بين القوى الدولية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …