بقلم: ألكسندر راجبهاندري ونيشانت كومار – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- في عام 2016، كانت محاولة حمل ممول شاب طموح على تفضيل فرنسا على بريطانيا مهمة يائسة في كثير من الأحيان. يقول “أرنود دي بريسون”، المسؤول عن الترويج لمدينته كموقع جذاب لشركات التمويل الدولية: “عندما كنت أذهب إلى لندن لجعل الناس تنتقل إلى باريس، كانت الإجابة التي أتلقاها: باريس، لا يمكن!”.
وبعد ست سنوات، أصبحت مهمة “دي بريسون” أسهل كثيراً. فقد جعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) العديد من البنوك الاستثمارية الأمريكية وصناديق التحوط تبحث عن قاعدة جديدة في الاتحاد الأوروبي، الآن بعد أن أصبحت لندن خارج الكتلة، وبرزت باريس كوجهة أولى. في الوقت نفسه، خفض الرئيس إيمانويل ماكرون الضرائب على الأثرياء، ليزيل بذلك أحد أكبر العوائق أمام أصحاب الدخل المرتفع الذين يفكرون في العمل في فرنسا.
كان تأثير هذين الأمرين مدهشاً، حيث سرعان ما قامت بنوك وول ستريت بتوسيع فرق التداول الفرنسية الخاصة بها. والآن تتبعها صناديق التحوط، بعد أن أقنعها العديد من علماء الرياضيات والمهندسين الأذكياء من جامعات النخبة في فرنسا. تقوم شركة “ميلينيوم مانجدمينت” وشركة “سيتاديل”، التي يملكها كين جريفين، وشركة “إكسودوس بوينت كابيتال” بتعيين أو افتتاح مكاتب في باريس.
هذا الاندفاع المفاجئ في النشاط يطرح السؤال عما إذا كانت مدينة النور ستصبح المحور الرئيسي للاتحاد الأوروبي لمتداولي صناديق التحوط، وكذلك لنظرائهم من البنوك الاستثمارية. تتساءل آن صوفي داندلاو، الشريك المؤسس لشركة “سيام انفيستمينت”، ومقرها باريس: “هل يمكن أن تصبح باريس مايفير أوروبا؟” لا داعي، حتى الآن، لقلق منطقة “مايفير” الثرية في لندن ومنطقة سانت جيمس، التي تستضيف صناعة صناديق التحوط المزدهرة في بريطانيا. معظم التعيينات الجديدة في باريس، هي إما لموظفين محليين أو مغتربين فرنسيين ينتقلون إلى بلادهم.
كما أن صناعة التمويل في عاصمة المملكة المتحدة، التي توظف حوالي 418 ألف شخص، تتفوق على منافستها الفرنسية. ومع ذلك، فإن التزامات باريس الخاصة بصناديق التحوط تبدو جادة. وفي هذا الإطار، استأجرت شركة “ميلينيوم” ومقرها نيويورك مساحة في المقر القديم لشبكة الإذاعة الفرنسية “آر تي إل” في شارع بايارد – بالقرب من المتاجر الفاخرة اللامعة في أفينيو مونتين – والتي يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 100 موظف. وقامت شركة “سيتاديل” بعدة تعيينات في العام الماضي، مع انضمام المزيد من مديري المَحافظ في 2022، وفقاً لشخص على دراية بالخطة. وتريد شركة “إكسودوس بوينت”، التي أنشأت مكتباً للأبحاث في باريس في عام 2019، تعيين المزيد من السكان المحليين بمجرد حصولها على الموافقات التنظيمية. وتعلن شركات أخرى، بما في ذلك “بوينت 72″ و”كيوب” للأبحاث والتكنولوجيا، و”سكويربوينت كابيتال” عن وظائف في المدينة.
وفي الوقت نفسه، رفض المتحدثون الرسميون باسم شركات ميلينيوم وسيتاديل وإكسودوس بوينت التعليق على هذه القصة. تمثل التخفيضات الضريبية التي أجراها ماكرون عامل جذب كبيراً لصناديق التحوط. يقول دي بريسون، العضو المنتدب لشركة “باريس يوروبليس”، وهي مجموعة ضغط في مجال الصناعة المالية: “كان عامل التغيير في قواعد اللعبة هو الإصلاحات المالية التي وضعت فرنسا وباريس في متوسط المستوى في أوروبا، على مستوى متكافئ”.
منذ توليه السلطة في عام 2017، قام الرئيس ماكرون بسن سلسلة من التغييرات الضريبية التي تهدف إلى السماح لفرنسا باغتنام فرص ما بعد بريكست للفوز بأعمال جديدة. بالإضافة إلى خفض ضريبة الشركات من 33.33% إلى 25%، استبدل ماكرون ضريبة الثروة الفردية بضريبة عقارية. كما قدم ضريبة ثابتة على الدخل من الفوائد والأرباح ومبيعات الأسهم.
تحمل هذه السياسات تكلفة سياسية مع اقتراب ماكرون من حملة لإعادة انتخابه في الربيع. فهو يُتهم بانتظام بأنه “رئيس الأثرياء”، حيث أظهرت بعض الدراسات أن إصلاحاته كانت في صالح الفئات الأكثر ثراءً في المجتمع. لكن سجله الاقتصادي قوي بشكل عام، حيث انخفضت معدلات البطالة مؤخراً إلى أدنى مستوياتها خلال عقد من الزمان، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل أكثر من المتوقع في نهاية عام 2021. كما أنه يتقدم في استطلاعات الرأي: وضع وكلاء المراهنات فرصه عند 72%.
وتناسب إصلاحاته صناعة التمويل. تقول داندلاو: “نعتقد أن باريس هي الخيار الأكثر جاذبية من بين المدن الأوروبية الأخرى”. وهي أيضاً تثني على نظام “العودة إلى الوطن”، الذي يقدم إعفاءات ضريبية سخية لمدة ثماني سنوات للأشخاص الذين ينتقلون إلى هناك.
تقدم فرنسا، التي تعد بالفعل أكبر مورد لخدمات إدارة الأصول في الاتحاد الأوروبي. من خلال منصتها الكبيرة من المتداولين والمهندسين الماليين الذين تخرجوا في المدرسة متعددة التقانات (البولتيكنيك) أو المدرسة المركزية في باريس، والذين ساهموا في إنشاء منتجات شديدة التعقيد في البنوك الفرنسية “سوسيتيه جنرال” و”بي إن بي باريبا” – لطالما كانت فرنسا ساحة لتعيين الموظفين في أكبر الصناديق في العالم.
يقول “زاك وايت”، الشريك في مؤسسة Attica Executives للبحث عن الكفاءات، ومقرها لندن، والتي تقوم بتعيين موظفين لصناديق التحوط متعددة الإستراتيجيات: “لطالما كانت هناك مواهب في باريس. وهناك أيضاً العديد من الفرنسيين الذين يعملون في الصناديق الكبيرة على مستوى العالم، وفتح صناديق تحوط في باريس يجعل الانتقال أمراً سهلاً”.
سبب آخر للعودة إلى الوطن الآن، هو أن التوسع الكبير في عمليات التداول في باريس بوساطة جي بي مورجان وجولدمان ساكس وأقرانهم في وول ستريت، يعني أن هناك الكثير من الوظائف البديلة إذا لم تنجح الأمور في مجال صناديق التحوط. من ناحية أخرى، فإن ظهور صناديق التحوط “متعددة الإستراتيجيات” يجعل من الممكن أكثر للمتداولين العمل في أماكن بارزة مثل باريس. من خلال الانضمام إلى هذه الشركات الدولية، يمكن للأشخاص إدارة استراتيجيات الاستثمار باستخدام مبالغ صغيرة من رأس المال.