بقلم: محمود حسونة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- كنا نتوهم أن عالمنا كلما ازداد تقدماً، ازداد تحضراً ووعياً، لكنه يفاجئنا أن العكس هو الصحيح؛ حيث يزداد تهوراً وجنوناً. لا التقدم العلمي ولا الاكتشافات ولا الاختراعات تحد من جنونه، ولا الفيروسات ولا الأوبئة تعري عجزه وتوقف تهوره، وكأن قادته يصرون على السير بملياراته الثمانية إلى الهلاك، متجاهلين دروس التاريخ وتجارب السنوات السابقة، ومصرين على العودة بالكوكب إلى العصور البدائية.
نعم عالمنا يزداد جنوناً، وبدلاً من أن يتصدى للإرهاب ويحاصر ميليشياته وينبذ مرتزقته، يفتح ذراعيه لهم؛ بل ويضيف إليهم ويتبناهم ويدربهم على أحدث أساليب القتل ويسلمهم أحدث الأسلحة، وكأنه يشجع تكاثرهم، متجاهلاً ما ارتكبوه من جرائم في حق الإنسان أياً كان مستقره على الكوكب، وغافلاً عن أنهم ومهما كانت جنسيتهم أو دينهم أو عرقهم لا يتركون أنفسهم للفراغ بعدما يفرغون من أداء مهامهم وينالون مستحقاتهم؛ بل يستغلون خبراتهم القتالية في استهداف استقرار الدول وأمان الشعوب، وفي الأغلب تكون البداية بالدول التي ينتمون إليها ثم بمن احتضنهم ودربهم ووفر لهم أسباب التوحش ويسعون للسيطرة على الكوكب وفرض إرادتهم عليه.
ومثلما كانت كل منطقة نزاع ساحة مثالية لتفريخ الإرهاب واستقطاب المرتزقة، جاءت الحرب الأوكرانية الروسية لتجعل من أوكرانيا أرضاً لصناعة الإرهابيين الجدد؛ حيث تم الإعلان عن تشكيل الفيلق الأجنبي لمحاربة “العدو الروسي”، فيما رحبت روسيا بالمقاتلين من الشرق الأوسط للقتال في إقليم دونباس.
هذا يعني أن الحرب في أوكرانيا قد تتحول إلى حرب بالوكالة تشارك فيها قوى غير نظامية، وبعضها له باع طويل في ممارسة الإرهاب قد ينخرط فيها “الدواعش” والعائدين من سوريا. ولم تقتصر الدعوة الأوكرانية على تجنيد أوروبيين ولكن سفاراتها في دول إفريقية انخرطت في هذا الجهد.
ليست أوكرانيا وحدها من تدرب الأجانب ولكن يساعدها حلفاؤها من الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي اعتمدت قاعدة “التنف” شرق سوريا، “معسكراً لتدريب إرهابيي (داعش) قبل إرسالهم إلى دونباس شرق أوكرانيا”؛ وذلك بحسب ما ذكرت الاستخبارات الروسية.
الفئة الوحيدة التي ستعود عليها هذه الحرب بالفائدة في العالم كله، هي المرتزقة بعد أن ارتفع أجر الواحد من 2000 دولار إلى ما بين 5000 و7000 دولار، وهو ما يشكل عنصر إغراء للعاطلين حول العالم ليمتهنوا هذه المهنة التي تُخرج العناصر الإرهابية الذين يثيرون القلق وينشرون الرعب حول العالم.
هذه ليست الحرب الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتم فيها الاستعانة بالمرتزقة، فجيوش أكبر الدول الغربية بها فيالق أجنبية وتستعين بمرتزقة في عملياتها القذرة، كما أن الاستعانة بهذه الفئة قديم يتجدد، فقد استعانت بهم الدول الأوروبية في أزمنة الإمبراطوريات والاستعمار.
وإذا كان الغرب والروس قد نسوا تجربة من أطلق الغرب عليهم اسم “المجاهدين” ضد الجيش السوفييتي في أفغانستان، فنحن لن ننساها، باعتبار أننا الأكثر اكتواء بنار هؤلاء من خلال العمليات الإرهابية التي ارتكبها “العائدون من أفغانستان” في بلادنا، والتي عممت الخراب في منطقتنا، ويبدو أن العالم في هذه اللحظة يحاول أن يتناسى أن أعتى الجماعات الإرهابية من إفرازات تنظيم “القاعدة”، ومن رحمها أخرج تنظيم “داعش” الذي انتعش وتضخم خلال الأزمتين العراقية والسورية، وتجاوز كل مدى عندما استحلت عناصره الأجنبية ذبح الإنسان وسلبه حريته.
طالما في العالم من يصر على تدريب وتسليح المرتزقة، فسيواصل الإرهاب تكاثره وتدميره للاستقرار، حتى يصبح الأمن والأمان حلماً صعب المنال على وجه الأرض.