الكل خاسر

بقلم: علي قباجه – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – لم تثمر محادثات أنطاليا، التي عقدت بين وزيري الخارجية الروسي والأوكراني، وما سبقها من مفاوضات في بيلاروسيا عن شيء ملموس يمكن أن يبنى عليه لوضع حد للحرب، التي دخلت أسبوعها الثالث، أو حتى تخفف من أهوالها، في حين أن الهدنة التي انعقدت لأجل إخراج مدنيين من كييف وعدة مدن رئيسية شابتها ثغرات، واتهامات متبادلة.

أوكرانيا أبدت بعض المرونة قبل خوض غمار المفاوضات؛ إذ قبلت على لسان مساعد الرئيس الأوكراني، بأن تكون «منفتحة على مناقشة مطلب روسيا بتبنيها الحياد» مقابل ضمانات أمنية، دون التنازل عن أراضيها، بينما أصرت موسكو على مطالبها بضم شبه جزيرة القرم، وتسليم الجيش الأوكراني سلاحه، وعدم التعرض لإقليم دونباس، لكن ذلك كان حجر عثرة، فأوكرانيا متمسكة بوحدتها، ومصّرة في حال تعذر الحل الدبلوماسي على القتال حتى النفس الأخير ضد القوات الروسية.

عدم التوصل لأي تقارب بين الجانبين، ينبئ أن القادم أسوأ على الشعب الأوكراني، الذي قدم مئات القتلى وهجر منه الملايين إلى دول الجوار، فضلاً عن مئات آلاف النازحين في الداخل، إضافة إلى ارتكاس اقتصاد البلاد الذي خسر خلال الأيام الماضية أكثر من 120 مليار دولار، الأمر الذي انعكس بشكل حاد على معيشة السكان، ولم تكن روسيا بأحسن حال مع الحرب الاقتصادية المعلنة عليها، وتدني قيمة عملتها، وسحب الاستثمارات منها.

أما على المستوى العالمي، فإن النزاع مس عصب اقتصاده، وخلق أزمة طاقة قد تطول وستذوق تبعاتها أوروبا بالدرجة الأولى في حال توقفت عن استيراد النفط والغاز الروسيين، بينما أزمة الغذاء ستستفحل مع منع أوكرانيا الدولة الخامسة في تصدير الحبوب من عقد صفقات خارجية لبيعه، كما أن روسيا تدرس الأمر ذاته، ما استدعى رفع الأسعار عالمياً ومن المرشح أن يزيد إلى 20% حسب منظمة الفاو. أما التبعات العسكرية، فيمكن أن تتدحرج الأمور إلى صدام مدمر خاصة في ظل الدعم الغربي اللامحدود لأوكرانيا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ما أثار حفيظة موسكو، التي حذرت مراراً من حرب نووية.

الآمال كانت معقودة على محادثات تركيا على الرغم من التشاؤم الأوكراني، لكن هذه الجولة انتهت من دون اتفاق، ما يعني أن الكلمة ستعود للميدان؛ إذ لا يبدو أن روسيا قد تتنازل قيد أنملة عن أهدافها، فالدخول في هذه الحرب كانت الورقة الأخيرة بعدما رفضت كييف والغرب من ورائها مطالبها، والتراجع الروسي في هذه المرحلة من دون نتائج مقنعة قد يحسب عليها هزيمة وتراجع، لكن في المقابل، فإن الجيش الأوكراني يقاوم مدعوماً بسلاح غربي فعّال، وهو ما قد يزيد من مدة الحرب ليستنزف الجانبين.

الحرب الكل فيها خاسر، وآثارها امتدت تقريباً إلى البشرية جمعاء، فالتدافع بين روسيا والغرب قد يجر العالم إلى خراب اقتصادي، كما يمكن أن يؤدي إلى حرب شاملة تدمر العالم وتعيده عقوداً إلى الوراء، إلا في حال جلوس أطراف الصراع أمام طاولة المفاوضات للاتفاق على حلول لا يتجاوزها أحد.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …