الرئيسية / مقالات رأي / بايدن.. ومعالجة القضايا الكبرى

بايدن.. ومعالجة القضايا الكبرى

بقلم: محمد السعيد إدريس – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- اعتاد الأمريكيون أن يتعاملوا مع الخطاب السنوي الذي يلقيه كل رئيس أمريكي عادة في يوم 20 يناير/ كانون الثاني من كل عام، والذي يحمل اسم “خطاب الاتحاد” من منظورين، أولهما حصيلة إنجاز الرئيس خلال عام مقارنة بوعوده وتعهداته التي طرحها في الخطاب السابق قبل عام، وبرنامجه المتضمن في ذلك الخطاب. ثانيهما رؤية الرئيس لعام جديد قادم.. ما هي أهم التحديات وكيف سيتعامل معها الرئيس؟ أي ما هو برنامجه لعام جديد؟

 من هنا يجدر بنا أن نسأل: ما هي الإجابات التي تضمنها خطاب الاتحاد الذي ألقاه الرئيس جو بايدن؟ ما هي الإنجازات التي تحققت وما هي الإخفاقات، وما هي أسبابها؟ وماذا عن المستقبل؟ هل قدم بايدن رؤية مستقبلية لمواجهة التحديات الجديدة والقديمة التي تواجه الولايات المتحدة..؟

 بإيجاز شديد نسأل: كيف كان عام جو بايدن الأول في رئاسته؟

 الإجابة يمكن أن تأتي من خلال مقارنة ما جاء في خطاب الاتحاد الذي ألقاه بايدن منذ ما يقرب من عشرة أيام، بما قدمه من وعود عقب تسلمه مقاليد السلطة في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي بعد معركة انتخابية، أقل ما يمكن أن توصف به أنها كانت معركة “التحدي الأكثر دراماتيكية للنظام الديمقراطي الأمريكي منذ الحرب الأهلية الأمريكية” على حد وصف صحيفة “الجارديان”، بعد أن تم اقتحام مبنى الكابيتول (مقر الكونجرس) في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021 من جانب آلاف الداعمين للرئيس السابق دونالد ترامب الرافضين القبول بهزيمته انتخابياً، والمتشبثين بقناعتهم ب “سرقة الانتخابات” من جانب الحزب الديمقراطي لصالح مرشحهم جو بايدن.

 الإجابة على تلك الأسئلة أمر مهم لأنها تلقي إضاءات على ما ينتظر الأمريكيين وكيف ستسير الأحداث من الآن وحتى عام 2024 موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة، وهل لدى الرئيس بايدن فرصة للترشح في هذه الانتخابات والفوز بها؟ بل هل سيكمل بايدن الحكم خلال السنوات الثلاث المتبقية له، أم أن نائبته كمالا هاريس يمكن أن تخلفه إذا ما خانته قدراته الصحية؟ وهل يمكن أن يكون الرئيس السابق دونالد ترامب هو البديل القادم؟

 مقارنة البرنامج الطموح الذي وعد به بايدن وما أعلنه من قرارات وتشخيصه للأزمات وتحديده للمهام الكبرى بما تضمنه خطابه الاتحادي الأول المشار إليه تؤكد أن الفجوة شاسعة بين الوعود والإنجازات، ما يطرح علامات استفهام كبيرة على ما ينتظر الأمريكيين تحت رئاسته، وما سوف يواجهونه من أزمات داخلية وتحديات خارجية خلال السنوات الثلاث القادمة.

 تفاؤل بايدن بفوزه المؤكد في الانتخابات، من وجهة نظره، وبما سوف يحققه من نجاحات وإنجازات كرئيس، دفعه قبل أسبوع واحد من إجراء الانتخابات الرئاسية، ومن مدينة “وورم سبرينجر” في ولاية جورجيا ليعلن أكبر إصلاح سياسي واقتصادي تشهده الولايات المتحدة منذ إصلاحات “نيو ديل” التي قام بها الرئيس الأسبق فرانكلين روزفيلت. هذا البرنامج الانتخابي ساهم بلا شك في فوزه بالرئاسة ضمن عوامل أخرى كثيرة، لكنه رفع سقف التوقعات والطموحات عالياً في وقت كانت تواجه فيه البلاد انقساماً وطنياً غير مسبوق وأزمة صحية سببتها جائحة “كورونا” أودت بحياة أكثر من 400 ألف أمريكي وأضعفت الاقتصاد إلى حد كبير.

 طرح بايدن هذا البرنامج الإصلاحي الطموح في ظروف غير مواتية من منظور القوة السياسية التي يتمتع بها في ظل حدة الانقسام الوطني الذي أكدته المعركة الانتخابية التي استطاع منافسه دونالد ترامب أن يحصل فيها على 74 مليون ناخب في حين حصل بايدن على 80 مليون صوت.

 بدأ بايدن الحكم متحمساً بإعطاء الأولوية لإقناع الكونجرس بالمصادقة على خطة بقيمة 1.9 تريليون دولار لمكافحة فيروس “كورونا”، وتقديم 1400 دولار كمدفوعات مباشرة للأمريكيين لتحفيز الاقتصاد المتضرر من الفيروس، والعمل على رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً للساعة، كما أطلق 15 أمراً تنفيذياً تشمل إعادة انضمام الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، وتشكيل فريق عمل معني بمكافحة التشرد، ولم شمل الآباء المهاجرين بأبنائهم، وفرض تدقيق أكثر صرامة على مشتري الأسلحة وإلغاء حصانة مصنعي الأسلحة لمقاومة تفشي الجريمة، إلى جانب تخفيف القيود فوراً على النقابات العمالية الفيدرالية، وإطلاق حزمة مناخية بقيمة تريليوني دولار لجعل الولايات المتحدة خالية من الانبعاث الكربوني بحلول عام 2050.

 مقارنة هذا كله بما ورد في خطاب الاتحاد تؤكد، كما أشرنا، عمق الفجوة بين ما كان مأمولاً وما تحقق، فقد جاء الخطاب باهتاً وشاهداً على عمق الوهن الذي يواجه الولايات المتحدة. فقد خصص 25% من زمن الخطاب، الذي لم يتجاوز الساعة، للأزمة الأوكرانية، ليس هذا فقط بل إنه وقع في “خطأ فادح” بقوله إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “لن يربح أبداً قلوب وأرواح الشعب الإيراني” بدلاً من الشعب الأوكراني، وفي ذات الوقت أقر بالهزيمة وانتصار الرئيس بوتين في أوكرانيا عندما قال إن “بوتين سيربح أوكرانيا، لكنه سيخسر كثيراً”. وإذا كان بايدن قد أسرف في الحديث عن العقوبات التي تنتظر بوتين فإنه لم يعرج إلى تقديم إجابة للسؤال المهم “ماذا حقق بالنسبة لوحدة الأمريكيين ومعالجة انقسامهم؟”. وما تجاهله بايدن من معالجات للقضايا الكبرى الداخلية والخارجية في خطابه يؤكد افتقاده السيطرة على مجرى الأحداث وأن ما ينتظر الأمريكيين سيكون فادحاً في ظل نهج سياسة الهروب من الوعود.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …