بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – فرضت الحرب الأوكرانية تسارعاً في خطوات التقارب التركية – الإسرائيلية التي تُوّجت بزيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ أنقرة الأربعاء والخميس. وبذلك طوت الدولتان عقداً من التوترات التي انعكست أضرارها على علاقاتهما السياسية فقط، بينما كانت علاقاتهما التجارية في أفضل حالاتها وبمنأى عن الجدل السياسي. هذا باعتراف مسؤولين أتراك وإسرائيليين.
أكثر من مرة صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة الأخيرة بأنه يريد أن يرتقي بالعلاقات السياسية مع إسرائيل إلى مستوى العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. لكن إسرائيل أظهرت تردداً ووضعت شروطاً تعجيزية على أنقرة، في مقدمها قطع العلاقات مع حركة “حماس” وعدم التدخل بالموضوع الفلسطيني عموماً.
وبنت إسرائيل شبكة علاقات إقليمية لم تعد معها في حاجة إلى الشريك التركي منذ حادث سفينة “مافي مرمرة” التي أرسلتها تركيا لفك الحصار عن غزة واقتحمتها إسرائيل وقتلت عدداً ممن كانوا على متنها في أيار (مايو) 2010، لتبدأ مرحلة من التوتر الذي هوى بالعلاقات الدبلوماسية بين الجانبين إلى ما دون الحضيض.
الآن، بعد انفجار الحرب الروسية – الأوكرانية والعقوبات الساحقة التي فرضها الغرب على موسكو، تستشعر كل من أنقرة وتل أبيب أن لحظة التعاون بينهما قد حانت، لا سيما في رحلة البحث التي بدأتها أوروبا عن بديل للغاز الروسي. وكانت الحرب في أوروبا الدافع الأساسي الذي جعل إسرائيل تتجاوب مع الرغبة التركية في ترميم العلاقات لتأتي زيارة هرتزوغ تركيا بمثابة “نقطة تحول” في هذه العلاقات على حد وصف أردوغان.
ومن شبه المؤكد أن العلاقات التركية – الإسرائيلية الجديدة سيكون ركيزتها خط أنابيب الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا. هذا ما ينادي به أردوغان منذ أشهر، وسيوفد وزير الخارجية ووزير الطاقة التركيين إلى إسرائيل قريباً للبحث في الخطوات العملية لبدء تشييد هذا الخط، الذي يحظى بمباركة أميركية وترحيب أوروبي، في زمن التحول عن روسيا.
ومن المعروف أن إسرائيل، خلال فترة الجفاء مع تركيا، كانت تعتزم مد خط لأنابيب الغاز إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، لكن هذا المشروع أثار استياء في أنقرة ولم يحظَ بحماسة أميركية.
وتجد تركيا وإسرائيل أن الوقت بات ملائماً للدولتين كلتيهما، كي تباشرا التعاون في مجال الطاقة، بعد إزالة العقبات السياسية التي كانت تحول دون تنفيذ هذا المشروع.
وسيتيح الخط الإسرائيلي لأردوغان “التحرر” من خط أنابيب “السيل التركي” الآتي من روسيا إلى أوروبا، وتالياً سيمكنه من اتخاذ قرارات أكثر انسجاماً مع المواقف الغربية في المرحلة المقبلة، لأنه لن يعرض نفسه للعقوبات الاقتصادية الغربية، في حال استمر على تعاونه مع روسيا تجارياً. والخط الممتد من روسيا، قد يغلق في اللحظة التي يشعر فيها الرئيس التركي أنه قادر على تعويض الخسائر التي يمكن أن تنجم عن المقاطعة الاقتصادية لروسيا. وأصلاً يمر الاقتصاد التركي بمرحلة ركود انعكست في السنوات الأخيرة تدهوراً في قيمة الليرة التركية في مقابل الدولار.
دول كثيرة تعيد تموضعها الآن على جانبي خط التماس بين روسيا والغرب. وتركيا وإسرائيل، وكانت كلتاهما تتمتعان بعلاقات وثيقة مع روسيا سياسياً واقتصادياً، تفتشان الآن عن الفرص التي تتيح لهما تجنّب ما أمكنهما من خسائر إذا ما اضطرتا إلى الاصطفاف مع الغرب في أعتى مواجهة ساخنة على الساحة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
وتحسباً لمرحلة لا يعود في الإمكان معها إلا مماشاة الغرب في خياراته،إذا بتركيا وإسرائيل تعيدان ترتيب علاقاتهما بما يتواءم مع التطورات المتسارعة.