الشرق اليوم- بما أن الحرب الروسية الأوكرانية الغربية تسير بوتيرة متصاعدة، وتأخذ أشكالاً متعددة من المواجهة العسكرية والاقتصادية الضارية التي ترخي بظلالها السلبية على العالم، ولا يبدو حتى الآن من أفق لوضع حد لها، فإن هذه الحرب مهما طالت، ومهما بلغت خسائرها لا بد من أن تضع أوزارها وتنتهي.
واضح أن كل الاتصالات والوساطات والزيارات التي تواصلت خلال الأسبوعين الأخيرين بين روسيا وأوكرانيا لم تؤد إلى وقف التصعيد كمقدمة للحل؛ لأن الأطراف المنخرطة في الحرب لا تريد أن تتنازل عن مواقفها. لا روسيا مستعدة للقبول بأقل من وقف تمدد حلف الأطلسي شرقاً، وتحييد أوكرانيا، وعدم وضع أسلحة دمار شامل في أوروبا الشرقية لحماية أمنها القومي، ولا الدول الغربية مستعدة لتلبية هذه الشروط التي تعتبر القبول بها انتصاراً لروسيا، وموافقة على قيام نظام دولي متعدد الأقطاب تكون فيه موسكو وبكين شريكين إلى جانب واشنطن، وهو أمر يعني بالمفهوم الاستراتيجي هزيمة الولايات المتحدة التي تصر على التفرد بقمة هذا النظام الذي كسبته جراء انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.
لكن السيناريوهات المتشائمة عن احتمال اندلاع حرب نووية لا تبدو واقعية، وكذلك احتمال اندلاع حرب أوروبية؛ لأن الدول الغربية ليست في وارد اللجوء إلى هذا الخيار الكارثي، فهي تعلن أنها لن تنخرط في الحرب مباشرة، مع الإبقاء على توفير الدعم العسكري لأوكرانيا التي أعرب رئيسها أكثر من مرة عن انزعاجه من الموقف الغربي “المتخاذل”، وكأنه يريد القول إن الدول الغربية ورطته في حرب لا طاقة له بتحمّل تكاليفها، وتركته يقاتل وحيداً.
روسيا تقول إنها لا تريد احتلال أوكرانيا و”تفضل تحقيق أهدافها في أوكرانيا عبر المفاوضات”، وهذا يعني أنه لا بد من المفاوضات كسبيل وحيد للوصول إلى تسوية، طالت الحرب أم قصرت، وبالتالي فإن الجهود المبذولة من جانب العديد من الدول للوساطة، هي في نهاية المطاف التي ستؤدي إلى دينامية سياسية إيجابية تنتهي على طاولة المفاوضات.. ثنائية أو متعددة الأطراف.
قد يطول أمد الحرب ويشتدّ أوارها، وتزداد المآسي الإنسانية، ومعها العقوبات المتبادلة التي ستكون تداعياتها الاقتصادية على العالم غير هيّنة، وقد تمتد العقوبات لتشمل الصين إذا انتهكت شركاتها العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، وهذا سيزيد الموقف خطورة وصعوبة، لكن لا مفر في نهاية المطاف من حوار وطاولة مفاوضات، واتفاق على تسوية ممكنة. .لأن كل الحروب انتهت إلى اتفاقات من خلال المفاوضات.
وإذا كان من الصعب حتى الآن، التكهن بالحلول الممكنة؛ لأن هذه الحرب لم تأخذ مداها بعد، فإن الواقع يشير إلى ضرورة الأخذ بكل المواقف التي أدت إلى الحرب والعمل على تفكيك عُقَدها من حيث توفير الأمن المتبادل للجميع من دون استقواء، وترك كل مفاهيم الهيمنة والقوة، انطلاقاً من تطبيق مندرجات ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد حل المنازعات سلمياً، بما يكفل الأمن والسلم الدوليين.